قصيدة «ارتقاء» للشاعر أوس الإفتيحات، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

 

القصيدة:

كَيْمَا تَدُورُ فَظَلَّتْ هَكَذا حِقَبَا

الأَرْضُ وَاقِفَةٌ لَمّا تَجِدْ سَبَبَا

 

إذا رَآهُ بَشُوشُ الطَّلَّةِ آكْتَئَبَا

وَوَجهُهَا تَرْسُمُ الأحزَانُ صُوْرَتَهُ

 

وَلا حَبِيْبٌ تَرَى في عَينِهِ عَتَبَا

لا طَارِقٌ يَطْرُقُ الأَبْوَابَ تَعْرِفُهُ

 

فَيضُ السرابِ الذّي تَلقاهُ مُنْسَكِبَا

وَكُلُّ أقْدَاحِها الظَّمْأى يُخادِعُها

 

تَشْكُو الجَهَالَةَ والأتْرَاحَ وَالوَصَبَا

وَقَلَّبَتْ رَاحَتَيْهَا فَرْطَ حَسْرَتِها

 

لِكَي تَقُولَ لَهُ شَيئاً وَلَو كَذِبَا

وَحاوَلَ الصَّمْتُ أنْ يُغْري عَقِيْرَتَها

 

كأنَّما الكَونُ عَنْها بَعْدُ ما رَحُبَا

أنّى آسْتَدَارَتْ تَرَى ضِيْقاً يُحِيطُ بِها

 

لِيَنْجَلي غاسِقٌ مِنْ حَولِها وَقَبَا

متى يُطِلُّ على شُبَّاكِها قَمَرٌ

 

طَلَعْتَ تَنْفُضُ عَنْ أَفْكَارِها الرِّيَبَا

وَبَيْنَمَا هِيَ في الأهوَاءِ غَارِقَةٌ

 

وَحَقَّقَ اللهُ أمْرَاً كانَ مُرْتَقَبَا

فَدَارَتِ الارضُ بالبُشرى على عَجَـلٍ

 

مـُـطأطِـئَ  القَلـبِ  للـرَّحمـنِ  مُحْتــَسِبَـا

مُزْنُ الهِدايَةِ لمّا جِئْتُها تَرِبَا

 

يَمَّـمْـتُ دَوحَـكَ مَحمُولاً عـلى أَمـلٍ

وَلَسْتُ أَخْشَى فآثامي تُطَهِّرُها

 

مُـــزْنُ  الهِدايَـةِ  لـمّـا  جِـئْتُها  تَـرِبـَا

وَلَســْتُ   أَخْشـَى  فـآثـامي  تُطَــهِّرُهـا

 

إليكَ مِنِّي فَأُلْفِي الشَّوقَ مُلْتَهِبَا

مُرَفَّهٌ وَالهَوى المَجْنُونُ يَأخُذُني

 

وَمِنْ مَعَانِيْكَ رَاحَتْ تَرتَدي القُشُبَا

وَأَحْرُفِي نَزَعَتْ ما كُنْتُ أُلْبِسُها

 

دَوْحَ النَّبِيِّ فَكَادَتْ تُسْرِجُ السُّحُبَا

مَنْ ذَا يُشَابِهُهَا مِنْ بَعْدِ مَا وَلَجَتْ

 

فَكَيفَ يُنْكِرُ طَعْمَ الكَأْسِ مَنْ شَرِبَا

في رَوضَةِ الدَّوحِ أَسْقَيْتَ الهُدَى عَلَلاً

 

وَلا وَضَعْتَ على أبْوَابِهِا الحُجُبَا

وَما مَنَعْتَ بِأنْ يَرْتادَها أحَدٌ

 

وَما نَسيتَ الذِّي قدْ صّدَّ أو هَرَبَا

وَكُنْتَ تَدْعُو إليها الهائِمِينَ بِها

 

وَعافَ مِنْ أجْلِ وَهْمٍ ظِلَّكَ الرَّحِبَا

وَوَيْحَهُ مَنْ تَوَلَّى وآبْتَغى بَدَلاً

 

مَنْ يَدْخُلِ الدَّوحَ يَخْلَعْ جُبَّةَ الغُرَبَا

أضحى الغَرِيبُ قَرِيباً بَعْدَ أَوبَتِهِ

 

فَلْيَتَّبِعْكَ يَنَلْ مِنْ آلِكَ النَّسَبَا

وَمَن يُرِدْ أن يَكُنْ للآلِ مُنتَسِبَاً

 

وَلا حياةَ لنا ما لَمْ تَكُنْ سَبَبَا

العُمْرُ دُونَكَ قَفْرٌ والسنُونَ سُدىً

 

صَلَّوا عَلَيكَ تَمَنّى القَلْبُ أنْ يَثِبَا

تَحُنُّ رُوحي وَقَدْ جَدَّ الهوى فَإذا

 

نقدا يقدمه إلا اشتكى الحدبا

ويجلبوا لرباه الويل والحربا

 

يا عدل نهجك لم يترك لمنتقد

وكم تداعوا ليجتثوا معالمة

 

ويجلبوا لبرباه الويل والحربا

وكم تداعوا ليجتثوا معالمة

 

الاّ وَفَيْتَ بِما فيهِ كَما وَجَبَا

وَلَمْ تَدَعْ مَوثِقاً أبْرَمْتَهُ مَعَهُمْ

 

وَيَعْبُدوا اللهَ لا الأوثانَ والنُّصُبَا

وَرُمتَ أنْ يَجْعَلُوا التوحِيدَ غايَتَهُمْ

 

نُكُوصُ سِحْرٍ على النَّفّاثَةِ آنْقَلَبَا

فَحَشَّدُوا ما آسْتَطاعُوا ثُمَّ فاجَأَهُمْ

 

أنْ يَخْدِشُوا شَعْرَةً أو يَبْلُغُوا أَرَبَا

لَوِ آسْتَعَانُوا بِمَنْ في الارْضِ ما قَدَرُوا

 

وَمَدَّهُ اللهُ بالأجنادِ ما غُلِبا

وإنَّ حَقّاً تَفانى القائِمُونَ بِهِ

 

تَقَاصَرَ الرُّمْحُ طُولاً والحُسامُ نَبَا

سارُوا إليكَ ولكن قَبْلَ أنْ يَصِلُوا

 

فَلَوْ نَوَيْتَ قَضَوا مِنْ فَورِهِمْ رَهَبَا

نُصِرْتَ بِالرُّعْبِ فَآنْكَفَّ الأُلَى كَفَرُوا

 

وَذِكْرُ مَنْ مَكَرُوا قَبْلَ المَمَاتِ خَبَا

للآنَ ذِكْرُكَ باقٍ بَعْدَ أزْمِنَةٍ

 

قَدْ قُلْتَها للحَيَارَى مُشفِقَاً حَدِبَا

ماذَا تَظُنُّونَ أنّي فاعِلٌ بِكُمُ

 

فَرَاحَ عَفْوُكَ يَمْحُو كُلَّ ما آرْتُكِبَا

قَالُوا كَرِيمٌ وَهُمْ أَدْرَى بِما آرْتَكَبُوا

 

وَصـــــيَّرُونــا  كـَمَـا  شَـاءُوا  لَـــهُمْ  لُــعَبـَا

يــَاســـيِّدي  غَيَّرَ   الأشْـــرَارُ   وُجـهَــتَــنَــا

 

لمّا رَضِينا بِأَنْ نَغْدُو لَها حَطَبَا

وَبَيْنَنَا أسْرَجُوا الأحقَادَ فَآسْتَعَرَتْ

 

بِها نُصافِحُ سَفَّاحَاً وَمُسْتَلِبَا

وَما آتَّعَظْنَا فَما زِلْنَا نَمُدُّ يَدَاً

 

فَجَزَّ آمَالَها الخَضرَاءَ وَآنْتَهَبَا

لَهْفِي على أُمَّةٍ عاثَ الخريفُ بِها

 

تُذَكِّرُ الجِيلَ أنَّا لَمْ نَكُنْ ذَنَبَا

وَما تَبَقَّى لَنا مِنها سِوَى مُثُلٍ

 

أمْسِ آبْتَدَا مُسْرِعاً واليَومَ فيهِ حَبَا

لَنا هُناكَ بِمِضْمَارِ الهُدى سَفَرٌ

 

تاهَ الطَّرِيقُ وَفيهِ خَطْوُنا آضْطَرَبَا

وَعِنْدَما تَرَكَتْ حَبْلَ التُّقى يَدُنا

 

حُبٌّ تَجَذَّرَ في الأعماقِ فآلْتَهَبَا

يا سيّدي يا رَسُولَ اللهِ ألهَمَني

 

مِنْ فَرْطِ أشوَاقِهِ للعِتْرَةِ آنْتَسَبَا

لا شَيءَ يَعْدِلُ أن يَهوَاكَ مُنْجَذِبٌ

 

ناظِرَيَّ بِنُورٍ ظَلَّ مُنْسَرِبَا

يا لَيْتَني عِشْتُ في عَصْر النُّبُوَّةِ أجْلُو

 

وَإنَّنا في الثَّرَى نَسْتَشْعِرُ الشُّهُبَا

فَكُلُّ ذَرَّةِ رَمْلٍ دُسْتَها لَمَعَتْ

 

شِسْعَاً لِنَعْلِكَ أسْتَجْدي بِهِ الرُّتَبَا

واللهِ لَو كانَ بالإمْكانِ أَجْعَلُني

 

وَفي سِوَاكَ إذا ما قِيلَ مَحْضُ هَبَا

فَفِيكَ شِعري لِسانُ الدَّهْرِ رَدَّدَهُ

 

شَفَاعَةٌ مِنكَ إن شَفَّعْتَني حَسَبَا

حَسبِي وَكُلُّ حَسِيبٍ يَرْتَجي طَلَبي

 

حَتّى أنَالَ نَعِيمَ الجَنَّةِ العَذِبَا

بِكَ آرْتَقَيْتُ وَأَبْقَى أرتَقي صُعُدَاً