قصيدة «باب لغار النبي» للشاعر أحمد الأخرس، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

القصيدة:

مِنْ أَوَّلِ الْحِبْرِ، هذا الوَحْيُ يُرْتَجَلُ … أُمْحى وَ أُكْتَبُ، لكِنْ.. لَسْتُ أَكْتَمِلُ!

وَ لَسْتُ في سَفَرِ المَعْنى سِوى وَجَعٍ … مُخَلَّدٍ في طَوايا الغَيْبِ أَرْتَحِلُ

وَ حَيْرَةٌ في أَقاصي الرّوحِ تَحْمِلُني … إِلَيْكَ وَحْدِيَ، لا أَفْنى ، وَ لا أَصِلُ

لَمّا رَأَيتُكَ في الصَّحْوِ انْحَنَيْتُ دَماً… مُخَدَّراً، وَ أَمامي لَمْ تَرَ المُقَلُ!

ما بَيْنَ لَيْلَيْنِ، كَوْنٌ فيكَ يُخْتَزَلُ … وَ مُصْحَفٌ في زَوايا الغارِ يَمْتَثِلُ

وَ ضَمَّةٌ في الخَفا مِنْ بَرْدِها ارْتَعَشَتْ … جِهاتُكَ السِّتُّ، فاكْتَظَّتْ بِكَ السُّبُلُ

يا ساكِنَ الغارِ، أَعْشاشُ الحَمامِ خَوَتْ … مِمّا بِها، وَ خُيوطُ الحُلْمِ تَنْغَزِلُ

ها أَنْتَ غارٌ لِمَنْ ضاقوا بِلَهْفَتِهِمْ  … لا بابَ لِلْغارِ؛ فَالْأَحْبابُ قَدْ دَخَلوا!

العارِفونَ بِسِرِّ العِشْقِ، لَمْ يَجِدوا … في غَيْرِكَ السِّرَّ، حَتّى أَنَّهُمْ بَذَلوا

سَوادَ أَعْيُنِهِمْ فَوْقَ القُلوبِ إِذا … ذُكِرْتَ سِرًّا؛ فَذاكَ الجَهْرُ مُبْتَذَلُ!

صَلاتُهُمْ لَكَ في الأَنْفاسِ كامِنَةٌ … وَ شَوْقُهُمْ لَكَ تَنْهيدٌ وَ مُبْتَهَلُ

وَ في غَياهِبِ طينِ العاشِقينَ تَرى … مَواقِدَ السُّهْدِ مِشْكاةً بِها انْتَقَلوا

يا ابْنَ الذَّبيحَيْنِ، وَ التَّحْنانُ يَذْبَحُني … مِنَ الوَريدِ إِلى ما لَيْسَ يُحْتَمَلُ

أَضلاعِيَ السَّعَفُ الباكي إِلَيْكَ نَوىً … مازالَ يَبْكي وَ في الأَحْشاءِ يَنْشَتِلُ

“لَمّا دَنا فَتَدَلّى” مِنْ تَهالُكِهِ … أَضْرَمْتَهُ بِالجَوى وَ الرّوحُ تَشْتَعِلُ!

حَتّى اسْتَحالَ غَريباً في تَجَذُّرِهِ … وَ كُلُّ مَنْ حاوَلوا إِحْياءَهُ.. ذَبُلوا!!

مِنْ أَيِّ صُلْبٍ وَرِثْتَ النّورَ مُنْبَلِجاً … بِبَطْنِ (آمِنَ) حَمْلاً ما بِهِ ثِقَلُ؟

كَأَنَّما يا ابْنَ عَبْدِ اللهِ ما اجْتَمَعَتْ … لِغَيْرِكَ الخُصَلُ البَيْضاءُ وَ المُثُلُ

وَ يَوْمَ هَمَّ بِهَدْمِ البَيْتِ أَفْجَرُهُمْ … وَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ كُهّانِهِم خُذِلوا

تَوَجَّسَ النّاسُ حَتّى صاحَ جَدُّكَ أَنْ … “لِلْبَيْتِ رَبٌّ سَيَحْميهِ” فَلا وَجَلُ!

وَ لَيْلَ غَطّى النَّهارُ الحُرُّ ما اتَّسَعَتْ … لَهُ السَّماواتُ وَ الأَكْوانُ تَحْتَفِلُ

بَزَغْتَ نَجْماً يَتيمَ الضَّوْءِ مُنْفَرِداً … في بُؤْرَةِ اللَّيْلِ، وَ السُّمّارُ قَدْ أَفَلوا

لَكَ الكَراماتُ يا ابْنَ المُكْرَمينَ، وَ ما … لِمَنْ أَبَيْنَكَ إِلّا الضَّيْمُ وَ الوَشَلُ

وَ لِلَّتي أَرْضَعَتْكَ الخَيْرُ وارِفُها … فَالضَّرْعُ مِنْ شَفَتَيْكَ الوافِرُ العَسَلُ

يا رافِعَ الحَقَّ أَسْواراً لِشِرْعَتِهِ … يا عاقِدَ الصِّدْقَ ميثاقاً لِمَنْ سَأَلوا:

مَنْ ذا يُظَلِّلُه غَيْمُ الشَّآمِ؟ وَ مَنْ … لَهُ النُّبوءاتُ وَ الأَحْبارُ تَنْشَغِلُ؟

وَ مَنْ سِواكَ (قُرَيْشُ) اسْتَأْمَنَتْ شَرَفاً … أَنْ يَرْفَعَ البَيْتَ، لا مَيْلٌ وَ لا خَلَلُ!!

كَذلِكَ اللهُ أَهْداكَ الأَمانَةَ، أَنْ … بِكَ اخْتَتَمْتُ رِسالاتي فَلا رُسُلُ

أَيْنَ الفُروسَةُ وَ الفُرْسانُ مُذْ طَلَبوا … (خَديجَةَ) البِرِّ ، فَاخْتارَتْكَ يا رَجُلُ!

وَ دَثَّرَتْكَ بِعَيْنَيْها وَ أَدْمُعِها … وَ اسْتَشْرَفَتْ فيكَ شَأْناً ما لَهُ مَثَلُ

وَ مِثْلَما هِيَ أَوْفَتْكَ الفُؤادَ هَوىً … أَوْفَيْتَها ضِعْفَهُ، وَ الوَصْلُ مُتَّصِلُ!!

فَلِلْمَحاسِنِ أَهْلوها، وَ أَنْتَ لَها الـ…ـوَفِيُّ؛ في مَوْتِها تُهْدى لَها الإبِلُ

“عامٌ مِنَ الحُزْنِ يا حِبَّيَّ، أَذْرِفُهُ … يَوْماً فَيَوْماً، وَ هذا الدَّمْعِ يَنْهَمِلُ

يُتْمٌ جَديدٌ، وَ لي يُتْمٌ تُجَدِّدُهُ … دَياجِرُ اللَّيْلِ، وَ الأَحْمالُ بي جَبَلُ”

يا ذلِكَ الوَجْدُ في نَجْدَيْكَ، تَذْكُرُه … كَأَنَّهُ الأَمْسُ، لا.. بَلْ أَنَّهُ الأَزَلُ!

وَ لِلْمَواجيدِ في الوِجْدانِ ذاكِرَةٌ … مِدادُها البَحْرُ إِنْ خُطَّتْ لَها الجُمَلُ

اليَوْمَ تَبْكيكَ جُدْرانُ البُيوتِ، وَ ما … في قَلْبِ مَكَّةَ مَنْ في خَطْوهِ طَلَلُ!

أَلِلْحَصى أَنْ يَلينَ اليَوْمَ إِنْ رَحَلَتْ … خُطاكَ عَنْهُ، وَ ما للنّاسِ أَنْ يَسَلوا؟!

وا غَصَّةً في عُيونِ الرَّمْلِ، يَنْبُتُ مِنْ … أَحْداقِهِ الحَنْظَلُ البَكّاءُ وَ الأَسَلُ

فَالجَدْبُ في كُلِّ أَرْضٍ أَنْتَ لَسْتَ بِها … وَ الخِصْبُ أَنْتَ إِذا ما الأَرْضُ تَكْتَحِلُ

ثَنِيَّةٌ لِوَداعِ الدَّمْعِ يَطْلُعُ مِنْ … أَطْرافِها سَعَفُ (الأَنْصارِ) وَ الأَمَلُ

مَنْ عَلَّموا لُغَةَ الإيثارِ في زَمَنٍ … إنْ يُطْلَبِ الأَهْلُ فيما اسْتُؤْهِلوا بَخَلوا!

“كُلُّ المَنازِلِ يا (ياسينُ) مُشْرَعَةٌ … وَ كُلُّ قَلْبٍ لِـ(طه) نَبْضُهُ نُزُلُ

أَيْنَ اسْتَراحَتْ بِهِ (القَصْواءُ) مَسْكَنُهُ … أَوْ حَيْثُما شاءَ، لا فَرْضٌ وَ لا بَدَلُ”

مُحَمَّدٌ، يا حُيودَ الضَّوْءِ في لُجَجِ الـ…ـرُّؤْيا، وَ يا كَعْبَةً لِلْعِشْقِ تُقْتَبَلُ

لَكَ المَعارِجُ أَبْوابٌ مُفَتَّحَةٌ … وَمِنْ مَلائِكِهِ التَّرْحابُ وَالحُلَلُ

مُحَمَّدٌ، يا إِمامَ الرُّسْلِ إِنْ جُمِعوا … لِسَجْدَةٍ، وَامَّحَتْ مِنْ بَعْدِها المِلَلُ!

لَكَ البِداياتُ في لَوْحِ الرَّقيمِ، وَ في … شَذى الخَواتيمِ أَنتَ المِسْكُ وَالخَضَلُ

أَعودُ لِلْغارِ مُذْ أَلْفَيْتُهُ وَلِهاً … نُقُوشُهُ لَمْ تَزَلْ، لكِنَّهُمْ…. رَحَلوا!!

أُهْدي لَهُ البابَ أَشْعاراً وَ يَعْذُرُني؛ … فَلِلصَّبابَةِ مَنْ ضاقَتْ بِهِ الحِيَلُ!

العَفْوُ مِنْكَ أَبا الزَّهْراءِ إِنْ قَصُرَتْ … قَصائِدي فيكَ، أَوْ أَدْمانِيَ الخَجَلُ

وَ اشْفَعْ لِمَنْ تَلِفَتْ أَنْفاسُهُ فَبَكى … مِنَ الهُيامِ، وَ أَدْمى قَلْبَهُ الثَّمَلُ

صَلَّتْ عَلَيْكَ مَحاريبُ السَّماءِ، كَما … “تَجَمَّلَ الشِّعْرُ” مِنْ عَيْنَيْكَ وَ الْغَزَلُ

في آخِرِ الحِبْرِ، أُمْحى دونَما أَثَرٍ … لكِنَّني في حُضورِ العِشْقِ.. أَكْتَمِلُ…!