قصيدة «ترتيلة لنبي البياض» للشاعر حسن صميلي، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

القصيدة:

أَتَى ..

تُضيءُ رداءَ الأرضِ طَلَّتُهُ

مِنْ أيِّ تلويحةٍ تنثالُ رَحْمَتُهُ ؟!

 

أَتَى ..

يقينًا سماويًّا على يَدِهِ

تَبَلْسَمَتْ في عَشَايا العمرِ مِحْنَتُهُ

 

لم يعبرِ الكفرُ

في عَيْنَيْهِ ثَمَّ خُطًى تقولُ:

خانتْ دروبَ الكفر وجْهَتُهُ

 

محمدٌ ..

يا رسولَ الحبِّ

إنَّ هوًى لا يقتفيكَ

تموتُ الآنَ جَذْوتُهُ

 

محمدٌ ..

يا رسولَ العدلِ

قال فتًى:

الظلمُ بعدكَ عَاتٍ من يُفَتِّتُهُ ؟!

 

محمدٌ ..

يا اكتمالَ الرُّسْلِ

يا أبداً ما زال تَحْملُهُ لِلنَّاسِ جَنَّتُهُ

 

مُذْ “مكة” التحفتْ بياضَهُ

وفمٌ يلقِّنُ الروحَ :

ما خانَتْهُ مَكَّتُهُ

 

ومُذْ خُطَاهُ تجوبُ الْعَالَـمِينَ بَدَا

أبًا تُواري أسى الأبناءِ ضحْكَتُهُ

 

يا سَيِّدي

وحيُ “جِبْرِيلٍ” أضاءَ على كفَّيْكَ معناهُ ، 

إنَّ الوحيَ دَهْشَتُهُ

 

يا سَيِّدي

قبلك التاريخُ محض رؤًى غريبةٍ ،

وأسى التاريخِ غُرْبَتُهُ

 

وقبلكَ الجهلُ يستلقي على أممٍ

مَنْ غيرُ صدرِكَ في حِلْمٍ يُشَتِّتُهُ ؟!

 

وقبلكَ الصنمُ المعتوهُ

تَعْبُدُهُ جماجمُ الزَّيْفِ

حتى جئتَ تَمْقُتُهُ

 

وبعدك ابتهلتْ أرواحُنا

فعلى جِبَاهِنا

طُهْرُ دينٍ أنتَ نُطْفَتُهُ

 

لا وجهَ للأرضِ تزهو فيه

إِنْ جهلتْ ضياكَ ،

كلُّ ضياءٍ منكَ نَكْهَتُهُ

 

على بياضِكَ نام العاشقون وقد

كَسَاهُمُ عطرُكَ الصافي ونَفْحَتُهُ

 

ومن بياضِكَ

حَنَّ الجذعُ وانْسَكَبَتْ دُمُوعُهُ ؛

فَأَتَتْ عيناكَ تُسْكِتُهُ

 

محمدٌ ..

كلما يغفو على رئتي نسيمُ ذكرِكَ ،

تجلو الهمَّ لَذَّتُهُ

 

وكلما

يقتفي ليلَ الفتى قَلَقٌ ،

يفرُّ صوبَكَ والإيمانُ سَلْوَتُهُ

 

يا أقدسَ الناسِ

في دنياكَ قافلةٌ من السلامِ ،

وحُبٍّ أنتَ نَبْتَتُهُ

 

فمنذُ “آمنة” أَهْدَتْهُ عَالَـمَنا

ولا حصانٌ كَبَتْ في الأرضِ صَهْوَتُهُ

 

ومنذُ آواهُ غَارٌ

لم يَعُدْ فَمُهُ يخشى العذابَ ،

أَ تَخْشى الـمَوتَ حِكْمَتُهُ ؟!

 

ومنذُ “طيبة” نادتْ

يا أُناسُ هنا :

يعيشُ أجملُ مَنْ تُؤْتَى سَجِيَّتُهُ

 

ومنذُ شاخَ بصحراءِ الظَّمَا جَسَدٌ

وماءُ كَفَّيْهِ تروي الروحَ رَشْفَتُهُ

 

يا مَنْ هنالِكَ يمشي

ليس من شَبَحٍ يُخيفُهُ ،

أَوَ تَخْشَى الليلَ نَجْمَتُهُ

 

يا مَنْ يسافرُ

في عَيْنَيْهِ

مُبْتَدَأٌ لِكُلِّ عيدٍ رداءُ الناسِ بَهْجَتُهُ

 

محمدٌ ..

قَدْ تَدَاعَتْ كُلُّ قافيةٍ

والـمَدْحُ باسمِكَ تزهو الآنَ فِكْرَتُهُ

 

حتى الترابُ الذي

آنَسْتَ وَحْشَتَهُ بالسَّيْرِ ،

بَعْدَكَ عادَتْ فِيهِ وَحْشَتُهُ

 

حتى أنا

في جبيني رَعْشَةٌ ولظًى ،

تَعَالَ : سوف تذوبُ الآن رَعْشَتُهُ

 

والعَالَمُ الْيَوْمَ

في شريانِهِ وَلَهٌ إليهِ ،

قد عَلِقَتْ في القلبِ فِتْنَتُهُ

 

هذا النبيُّ ..

وشِعْري سوف تَحْرُسُهُ ظِلَالُهُ

فبأَيِّ الشِّعْرِ أَنْعَتُهُ ؟!

 

هذا النبيُّ ..

وقد نادَتْ ملائكةٌ من السَّمَاءِ :

خلودُ المرءِ نُصْرَتُهُ

 

هذا النبيُّ ..

إذا أَفْنَى الفتى كَمَدٌ

يبقى النبيُّ الذي لم تَشْكُ رِحْلَتُهُ

 

هذا النبيُّ ..

فَمَنْ يكسو الفقيرَ ،

ومَنْ يحمي البعيدَ الذي آوَتْهُ غَيْمَتُهُ ؟!

 

هذا النبيُّ ..

إذا حَرْبٌ غَزَتْ مُدُنًا

وَرْدُ السلامِ على كَفَّيْهِ نَسْمَتُهُ

 

يا أشرفَ الناسِ

جَاءَ التائبون بِهِمْ ضَعْفٌ

فقلتَ: تُضيءُ العَبْدَ تَوْبَتُهُ

 

وجاءَكَ الناسُ

في أرواحِهِمْ عَطَشٌ للدِّينِ

مُذْ عَشِقَتْ صَحْرَاكَ خَيْمَتُهُ

 

وجئتُ أَنْحَتُهُ في داخلي شَغَفًا

قُلْ لي :

بِرَبِّكَ مَنْ يَسْطِيعُ يَنْحَتُهُ ؟!

 

سَافَرْتَ في الأرضِ

تبغي للدُّنَا فَرَحًا

هُدَاكَ تَمْلَأُ كُلَّ الأرضِ فَرْحَتُهُ

 

هَاجَرْتَ

كانتْ “قُرَيْشٌ” تَقْتَفِيكَ ،

فَهَلْ يَسْطِيعُ قَتْلَكَ مَنْ تَغْشَاهُ خَيْبَتُهُ ؟!

 

حتى خيولُهُمُ لَمْ تَسْتَلِبْ جَسَدًا

فالخيلُ غَاصَتْ بِوَجْهِ الرَّمْلِ رُكْبَتُهُ

 

وكنتَ في الغارِ إيمانًا يُرَسِّخُهُ

هذا الثباتُ الذي لم تَخْبُ لَحْظَتُهُ

 

وكان “صِدِّيقُـ”ـــكَ الإنسانُ في هَلَعٍ

بِحُسْنِ ذِكْرِكَ عَادَتْ فيه بَهْجَتُهُ

 

وبَعْدُ ..

 يا سَيِّدًا تَقْوَاهُ يَحْرُسُنا ,

و يا عظيما مَشَتْ في الكونِ هَيْبَتُهُ

 

إنَّا بِسُنَّتِكَ الغَرَّاءِ في وَهَجٍ

وَمَنْ سِواكَ تُضِيءُ الخَلْقَ سُنَّتُهُ ؟!

 

إنَّا على دَرْبِكَ الـمَيْمونِ ،

ليس على دُرُوبِنا

غيرُ غُصْنِ الشوق نُنْبِتُهُ

 

إنَّا قَرَأْنَاكَ

كانَتْ سيرةً مُزِجَتْ بِلَحْمِنا ،

وهُدًى في الروح قِبْلَتُهُ

 

إنَّا بَنُوكَ أتينا نرتديكَ وَلَمْ 

نعرفْ سواكَ أبًا تزهو أُبُوَّتُهُ

 

إنَّا فِدَاكَ

إذا سَهْمٌ أَطَلَّ ،

وَلَنْ يفوزَ سَهْمٌ بَدَتْ للناسِ سَوْأَتُهُ

 

محمدٌ ..

يا إمامَ الـمُرْسَلينَ

على خُطَاكَ عَبْدٌ تُنَادي الـمَجْدَ خُطْوَتُهُ

 

محمدٌ ..

كيف لي أن أصطفي جُمَلًا للمَدْحِ،

والـمَدْحُ من مَعْنَاكَ رَوْعَتُهُ