قصيدة «رُؤيا» للشاعر عمر هزاع، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

القصيدة:

 (رِدْ وَهْجَ كُوَّتِهِ, اقبِسْ وَمضَةً لِتَرى

       وَوَلِّ جُرحَكَ شَطرَ المِلْحِ, وَامضِ سُرى

 

فَراشَةً؛ عانِقِ المِشكاةَ, مُتَّخِذًا

       مِن كُحلِ جِنحِكَ زَيتًا, وَاتَّقِدْ شَرَرا

 

أَطلِقْ سَراحَكَ مِن زِنزانَةٍ صَدِئَتْ

       بِها لَيالِيكَ, وَازرَعْ أَنجُمًا زُهُرا

 

وَاذرِفْ فُؤَادَكَ ذَوبًا فِي مَحَبَّتِهِ

       عَلَى صُخُورِكَ, حَتَّى يَستَحِلنَ ثَرى)

 

(أَكانَ صَوتِيَ؟ أَم لا وَعيَ صَمتِيَ؟ ما

       سَمِعتُ؟ أَم كانَ عَصفُ الذِّهنِ مَحضَ هُرا؟!

 

مَن أَنتَ؟)؛ (عابِرُ رُؤياكَ الأَخِيرَةِ, خُذْ

       ضِغثًا لِحَيرَتِكَ الأُولَى, وَفِ النُّذُرا

 

جَبِينُ وَقتِكَ مَتلُولٌ, وَذِبحُك فِي

       مَرمَى يَدَيكَ؛ يَدِيكَ؛ اتبَعْهُ حَيثُ جَرى

 

مُقلَتَينِ؛ وَضَعْ خَطَّينِ تَحتَهُما:

       خَطًّا لِدَمعِكَ صُبحًا, ثُمَّ خَطَّ كَرى)

 

(وَكَيفَ ذاكَ؟ وَأَشياعُ الصِّراعِ – هُنا

       ما بَينَ بَينِيَ – خَلَّتْ مُهجَتِي حُفَرا!

 

“قابِيلُ” وَحشِيَ في “هابِيلِ” تَضحِيَتِي

       بِأَبجَدِيَّةِ إِنسانِيَّتِي كَفَرا!)

 

(قَصَدتَ مُغتَسَلَ التَّأوِيلِ؟ فَامشِ عَلَى

       جَمرَ المَجازِ! إِذَن. وَلتُمعِنِ النَّظَرا

 

حَدِّقْ تَرَ الشُّرُفاتِ اصَّدَّعَتْ وَهَوَتْ

       وَالبَحرَ غِيضَ, وَإِشعاعَ المَخاضِ سَرى

 

نُورًا تَناقَلُهُ الأَصلابُ كامِنَةً

       مُذ كانَ في رَحِمِ الأَقدارِ مُدَّخَرا

 

مِن نُقطَةِ الصِّفرِ, حَيثُ الطِّينُ مُبتَدَأٌ

       وَالماءُ يَحمِلُ في أَسفارِهِ خَبَرا

 

مُذ كانَ “آدَمُ” فِي الصَّلصالِ, كانَ بِهِ

       يُبَشِّرُ “القُدُسُ” العُلْوِيُّ, ما فَتَرا

 

وَكانَ ثَمَّةَ تَرتِيلٌ, وَبَسمَلَةٌ

       تَضَوَّعَتْ صَلَواتٍ كُلَّمَا ذُكِرا

 

قُمْ، “شَيبَةَ الحَمدِ”، حِبرُ اللَّيلِ قَد فَرِغَتْ

       دَواتُهُ, وَيَراعُ الظُّلمَةِ انكَسَرا

 

هَذا حَفِيدُكَ – “وَعدُ الحَقِّ” – “آمِنَةٌ”

       ضاءَتْ بِهِ, وَأَتَى مَن كانَ مُنتَظَرا

 

فسَمِّهِ اسمًا فَرِيدًا، لا مَثِيلَ لَهُ

       “مُحَمَّدًا”، “هاشِمِيَّ الأَصلِ”, “مُبتَكَرا”

 

حُرُوفُهُ شَجَرُ الأَرواحِ, كَوكَبَةٌ

       تَترى طَلائِعَ هَديٍ كي تَرى وَتُرى)

 

 (هَلِ اطَّلَعتَ؟ وَكَيفَ اسطَعتَ؟)؛ (مُذ فَصَلَتْ

       بُشراهُ, حِينَ تَجَلَّى رائِعًا! بَشَرا!

 

طِفلًا! تُوَضِّئُ سَمعَ النَّخلِ صَرخَتُهُ!

          لِكَي يُساقِطَ مِن تَردادِها ثَمَرا!)

 

 (النَّخلُ؟ ما النَّخلُ؟)؛ (كِيزانٌ بِبادِيَةٍ

       ظَمأَى, لِبَسمَةِ فِيهِ اصَّبَّبَتْ مَطَرا

 

فَخَّارُها الجاهِلِيُّ اليُتْمُ صَدَّعَهُ

       وَصَبَّ “جِبرِيلُ” فِيهِ الحُبَّ, فانجَبَرا)

 

 (جِبرِيلُ؟)؛ (صَلصَلَةُ الأَجراسِ خَفقُ جَنا

           حَيهِ, وَحارِسُهُ إِمَّا بِهِ مُكَرا)

 

 (وَاليُتْمُ؟)؛ (مِسبَحَةٌ حَبَّاتُها انفَرَطَتْ

       أَبًا, وَأُمًّا, وَجَدًّا, بِانفِصامِ عُرى)

 

 (وَالجاهِلِيَّةُ؟)؛ (فَصلٌ لِلضَّلالِ, صَلَتْ

       جَلِيدَهُ شُعلَةُ الإِسلامِ, فانصَهَرا

 

إِذ كانَ – قَبلَ بُزُوغِ الفَجرِ – يَعبَثُ فِي

       حِزامِهِ النَّاسِفِ اللَّيلِيِّ, فانفَجَرا)

 

 (وَاللَّيلُ؟)؛ (عابِرُ دَربٍ خَطَّ رُؤيَتَهُ

       عَلى الغُبارِ – بِوَجهِ الرِّيحِ – فانتَثَرا)

 

 (فاقصُصْ رُؤَاهُ إِذا ما كُنتَ تَعبُرُها

       مِنَ البِدايَةِ حَتَّى المُنتَهَى, صُوَرا)

 

 (رَأَى فُؤَادًا, وَماءً ما, يُغَسِّلُهُ

       وَقَبضَةً, تَنسُلُ الوَسواسَ وَالكِبَرا

 

فَكانَ نَهرًا, رَفِيفُ الوَحيِ أَلهَمُهُ الـــ

       ـــمَجرَى, فَأَطلَعَ طَميُ الضِّفَّتَينِ قُرى

 

وَياسَمِينًا عُيُونُ “الشَّامِ” تَذرِفُهُ

       مُنُذُ اليَهُودُ إِلَيهِ حَدَّقُوا شَزَرا

 

حَتَّى أَشارَ “بَحِيرا”: [ استَنقِذُوهُ فَتَىً

       “بُصرَى” تُقَلِّبُ – فِي آياتِهِ – البَصَرا

 

فَأَوِّبُوهُ, وَإِلَّا باحَ خاتَمُهُ

       بِما أَسَرَّ, وَأَمسَى أَمنُهُ خَطَرا ]

 

راعٍ يَهُشُّ عَلى الأَيَّامِ حِكمَتَهِ

       مَعانِيًا, مُعجِزاتٍ, نُضَّرًا, غُرَرا

 

مِن طاقَةِ اللَّمَحاتِ البِكرِ يَشحَنُها

       دُرِّيَّةً كَثُرَيَّاتٍ بِغارِ “حِرا”

 

مِن حَيثُ قِيلَ لَهُ: [ اقرَأْ ], حَيثُ غُطَّ, وَما

       بِقارِئٍ هُوَ! لَكِنَّ المَلاكَ قَرا

 

فَسَلْ يُجِبْكَ حَصَىً: [ سَبَّحتُ فِي يَدِهِ ]

       وَيَجتَذِبْكَ حَنِينُ أَنطَقَ الشَّجَرا

 

وَاتبَعْ غَمامَةَ  “قُرآنٍ”  يُبَوصِلُها

       مِنَ الأَثِيرِ – عَلَى وَجهِ الثَّرى – أَثَرا

 

وَاركُضْ بِرُوحِكَ فِي مِعراجِهِ لِتَرى

       وَراءَهُ الأَنبِيا, صَلَّى بِهِم زُمَرا

 

حَتَّى دَنا فَتَدَلَّى, ثُمَّ عادَ هُنا

       مُحَمَّلًا بِكُنُوزِ العَرشِ لِلفُقَرا)

 

 (هُنا، هُناكَ، عَذاباتٍ أَرَى، وَعِدًى

       وَأَدمُعًا حَسَراتٍ، عِندَ ما هَجَرا)

 

 (لِلَّهِ – ثَبتًا – مَضَى, ما حادَ أُنمُلَةً

       لَو أَنَّهُم مَلَّكُوهُ الشَّمسَ وَالقَمَرا

 

إِذ راحَ يَسقِي تُرابَ “القَريَتِينِ” دَمًا

       وَعادَ يُطعِمُ مِن آلامِهِ الحَجَرا

 

كانَ الرَّحِيلُ مَهِيبًا, “مَكَّةُ” اندَفَعَتْ

       بِخُطوَةٍ لِأَمامٍ, خُطوَتَينِ وَرا

 

وَكانَ يَحثُو عَلَيها الرَّملَ, مُختَرِقًا

       حَظرَ التَّجَوُّلِ, بِالإِيمانِ مُتَّزِرا

 

سَيَذكُرُونَ بِيَومِ الفَتحِ – هِجرَتَهُ

       لِثالِثِ “اثنَينِ” – إِمَّا عادَ مُنتَصِرا

 

وَيُبصِرُونَ يَدًا خُبزَ الجِياعِ غَدَتْ

       وَرايَةً ظِلُّها العُشَّاقُ وَالشُّعَرا

 

لَو كانَ “فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ” لانصَرَفُوا

       لَكِنَّهُ خَيرُ مَن بِالرَّحمَةِ ابتَدَرا

 

وَخَيرُ مَن حَمَلَتْ أُمٌّ, وَأَنبَلُ مُخْـــ

       ـــتارٍ, وَأَكرَمُ مَن يَعفُو إِذا قَدِرا)

 

 (يا عابِرَ الحُلْمِ, أَمهِلْ لَهفَتِي حُلُمًا

       قَلبِي الشَّآمِيُّ خَلفَ الأَضلُعِ انفَطَرا

 

نامَ الأَنامُ, وَما عِندِي سِوَى سَهَدٍ

       يَسقِي الكَواكِبَ في حانِ الكَرَى سَهَرا

 

  1. إِذِ اعتَصَرتُ شَرايِينًا مُمَزَّقَةً

       وَجِئتُ أَشخَبُ, مَنزُوفًا وَمُعتَصَرا

 

وَقَفتُ أَخلَعُ عِندَ البابِ أَقنِعَتِي

       وَأَقلَعُ الشِّعرَ فِي المِحرابِ مُعتَذِرا

 

لِأَسأَلَ “الرَّحمَةَ المُهداةَ” عَن لُغَةٍ

       تَنَزَّلَتْ سُوَرًا, وَاجَّسَّدَتْ سِيَرا

 

الصَّادِقَ, المُصطَفَى, المَأمُولَ, فانفَجَرَتْ

       أَلغامُ شَوقِيَ لَمَّا نُورُهُ انتَشَرا

 

فَصِحتُ: [ يا عَبَراااتِ الدَّمعِ, هاكِ دَمِي

       إِذا نَضَبتِ ], وَصِحتُ: [… الرُّوحَ, يا عَبَرااا …]

 

كَأَلفِ أَلفِ فِدائِيٍّ صَرَختُ: [ خُذُوا

       لَحمِيْ, عِظامِيَ, قَلبِيْ, السَّمعَ, وَالنَّظَرا ]

 

قَصَدتُهُ, وَوَرِيدُ الصَّدرِ قافِيَةٌ

       وَكانَ خَفقُ فُؤادِي الوِردَ وَالصَّدَرا

 

وَكُنتُ أَحسَبُ أَنِّي شاعِرٌ, فَهَوى

       عَجزِي عَلى عَتَبِ الإِعجازِ, وَانعفَرا!)