قصيدة «شهيد بالباب» للشاعر السوري محمد أحمد دركوشي الفائزة بالمركز الثاني في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

 

القصيدة:

دَوِيٌّ وَنِيْرَانٌ يَأجُّ ضِرَامُهَا

       وَدَارِي بأشْلائِي يَضِجُّ حُطَامُهَا

 

كَسَرْتُ دَمِي حَتّى أقُوْمَ مُحَرّرًا

       وَأعْرِفُ في مَرْقَى يَدَيْكَ قِيَامُهَا

 

وَأرْضٍ إلى لُقْيَاكَ رُحْتُ أطُوْفُهَا

       مُضَوّعَةَ الأنْسَامِ حَامَ حَمَامُهَا

 

وَفي نَسَمٍ خَضْرَاءَ تَنْسَابُ مُهْجَتِي

       مُعَطّلةَ الأحْلامِ حَمَّ حِمَامُهَا

 

إلَى صَادِحٍ أوْحَيْتُ: هَلْ لَكَ قُدْرَةٌ؟

       فَتَحْمِلُ رُوحًا قَدْ قَضَى مُسْتَهَامُهَا

 

إِلَى رَوْضَةٍ فِيْهَا الحَبِيْبُ مُوَسّدٌ

       لَعَلّ بِرَأْيِ الحِبّ يَبْرَى سَقَامُهَا

 

بَكَى الطَيْرُ حَتّى بَلّ أرْيَاشَهُ الحَيَا

       وَأعْشَبَ مِنْ صَبِّ الدُمُوعِ رَغَامُهَا

 

وَأسْرَى بِيَ الجُنْحُ الأمِيْنُ مُصَفّقًا

       بِمِشْكَاةِ نُورٍ لا يَشِبُّ ضِرَامُهَا

 

نَعَمْ هَا هُنَا كَنْزُ الفَضَائِلِ مُوْدَعٌ

       وَمَبْدَأ أنْوَارِ الهُدَى وَخِتَامُهَا

 

عَلَى بَابِكَ المَأمُولِتَرْعَشُ مُهْجَةٌ

       وَفِي الشّامِ تَصْلَى بِالجَحِيمِ عِظَامُهَا

 

أتَيْتُكَ مِنْ أرْضِ المَجَازِرِ مُدْنَفًا

       وَآنَ لِرُوْحِي أنْ يُبَلَّ أوَامُهَا

 

هُمُ قَيّدُوْهَا بِالرَدَى فَتَحَرّرَتْ

       أتَبْلَى وَزَيْنُ العَالَمِينَ غَرَامُهَا؟

 

هَوَيْتُ الذِي حَازَ الجَمَالَ جَمِيْعَهُ

       وَأرْوَى بِقَلبِي صَبْوةً لا ألامُهَا

 

بَدِيْعُ المَعَانِي وَالصِفَاتِ كَأنّمَا

       يَدٌ صَوّرَتْ أنّى يَشَاءُ هُيَامُهَا

 

هَوَ البَدْرُ لَولا في الصَبَاحِ فَنَاؤهُ

       هُوَ الشَمْسُ لَولا في المَسَاءِ انْعِدَامُهَا

 

صَبُوْحُ المُحَيّا أدْعَجُ الطَرْفِ أكْحَلٌ

       وَذُوْ هَيْئَةٍ زَهْرَاءَ رَبْعٍ قَوَامُهَا

 

تَفُوْحُ عَلَى الأصْحَابِ مِنْهُ نَفَائِحٌ

       كَأنّ زُهُورًا بالأنُوفِ ازْدِحَامُهَا

 

وَيَبْسِمُ عَنْ نُورٍ كَجَارِيَةِ السّنَا

       يَدُلُ إلى الفَجْرِ الرَقِيْقِ ابْتِسَامُهَا

 

وَيَنْطِقُ عَنْ دُرِّ الكَلامِ مُنَضّدًا

       بِهِ لُغَةُ القُرآنِ نِيْلَ مَرَامُهَا

 

أَحَادِيْثُ لَوْ أصْغَتْ إليْهَا سَحَابَةٌ

       تَأَرّجَ مِنْ طِيْبِ البَيَانِ رِهَامُهَا

 

لُقَيْمَاتُهُ تَمْرٌ يُمِيْتُ بِهَا الطَوَى

       إذَا مَا المُلُوكُ الصّيْدُ شَهْدٌ طَعَامُهَا

 

أَرُوْنِي مَلِيْكًاكَانَ يَخْدِمُ أهْلَهُ

       وَذَا ذُرْوَةُ الأخْلاقِ أَوْ قُلْ تَمَامُهَا

 

نَبِيُّ الهُدَى بِالمعْجِزَاتِ مُؤَيّدٌ

       قَلائِدُ في جِيْدِ الزَمَانِ نِظَامُهَا

 

فَكَمْ قَفْرَةٍ جَدْبٍ أتَاهَا فَأغْدَقَتْ

       وَحَوّمَ مَحْبُوْرَ الجَنَاحِ حَمَامُهَا

 

وَسَلّمَ في الزَهْرِ الخَجُولِ أقَاحُهَا

       وَصَلّى عَلَى طَهَ الرَسُولِ خُزَامُهَا

 

فَتَحْسَبُهَا خَرْسَاءَ وَهْيَ فَصِيْحَةٌ

       وَهَلْ هَذِهِ الأشْذَاءُ إلا كَلامُهَا

 

وَكَمْ وُلِدَتْ بِيْنِ الأنَامِلِ نَبْعَةٌ

       وَرَوّتْ ألُوفًا لا يَجِفُّ سِجَامُها

 

وَجَاءَتْهُ تَسْعَى كَالذَلُولِ شُجَيْرَةٌ

       وَقَدْ شَهِدَتْ أنّ الرَسُولَ إمَامُهَا

 

وَكَمْ ظَبْيَةٍ بَثّتْ لأحْمَدَ وَجْدَهَا

       تَرُوحُ وَتَغْدُو لا يُضَاعُ ذِمَامُهَا

 

وَفي كَفّهِ المَيْمُونِ سَبّحَتِ الحَصَى

       وَمِنْ صَخْرةٍ يُهْدَى إِلَيْهِ سَلامُهَا

 

وَحَنَّ لَهُ جِذْعٌ مِنَ النَخْلِ يَابِسٌ

       حَنِيْنَ عِشَارٍ مَاتَ عَنْهَا غُلامُهَا

 

وَصَدّ عُيُونَ الحَاقِدِينَ عَنَاكِبٌ

       وَسّدَّ عَلَيْهَا الغَارَ بَابًا يَمَامُهَا

 

أمَا أرْعَنُ الأنْعَامِ أذْعَنَ مُغْضِيًا

       وَدَرّتْ شِيَاهٌ لَيْسَ يُغْنِي سَوَامُها

 

أمَا انْشَقَّ مِصْبَاحُ السَمَاءِ مُصَدّقًا

       وَظَلّلَهُ عِنْدَ الهَجِيْرِ غَمَامُهَا

 

هُوَ الحِبُّ أسْرَى بالحَبِيبِ وَأمْرُهُ

       سَرَائِرُ حُبٍّ أنْ يُفَضَّ خِتَامُهَا

 

دَعَاهُ إلى عَيْنَيه يَمْحُو شُجُوْنَهُ

       فَكَمْ لَيْلةٍ قَيْدَ الأسَى لا يَنَامُهَا

 

فَحَازَ وَقَدْ جَازَ السَمَاءَ مَكَانةً

       لَدَى المُتَعَالي لا يُنَالُ مُقَامُهَا

 

أيَا ثَوْرَةَ التَنْوِيْرِ فِي الزَمَنِ الدّجَى

       بِكَ انْجَابَ عَنْ حُسْنِ العُقولِ لِثَامُهَا

 

أيَا مَنْ مَحَا عَتْمَ النُفُوسِ فَأشْرَقَتْ

       وَأقْصَرَ عَنْ شَمْسِ القُلوبِ ظَلامُهَا

 

وَأَنْبَتَ في صَحْرَاءِ مَكّةَ أُمّةً

       كَثِيْرًا بِأَدْوَاحِ المعَالي كِرَامُهَا

 

حَمَائِمُ في السِلْمِ الكَرِيْمِ وَفي الوَغَى

       أسُودٌ سُرُوْجُ العَادِيَاتِ إجَامُهَا

 

أأُنْبِيْكَ أَنّ القَوْمَ عَادُوا قَبَائِلًا

       طَوَائِفَ في كَفّ الأَعَادِي زِمَامُهَا

 

فَلَسْطِيْنُهَا مَرْعَى العِدَى وَعِرَاقُهَا

       وَصَنْعَاؤُهَا مَرْمَى الرّدَى وَشَآمُهَا

 

مُجَنْدَلةٌ في كُلّ سَاحٍ أسُودُهَا

       وَمَسْبِيّةٌ مِنْ كُلّ دَارٍ نَعَامُهَا

 

وَتَلهُو المَنَايَا حَيْثُ يَلْهُو صِغَارُهَا

       مَتَى عَنْ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ فِطَامُهَا؟

 

وَهَانُوا وَظَنّوا في الهَوَانِ نَجَاتَهُمْ

       فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ ذِلّةٌ وَاهْتِضَامُهَا

 

تَدَاعَى عَلَيْنَا كُلَّ يَوْمٍ عِصَابَةٌ

       وَمِنْ تِبرِنَا أسْيَافُهَا وَسِهَامُهَا

 

وَأيَّ عُلًا يُبْقِي الزَمَانُ لِأمّةٍ؟

       عَلَى إخْوَةٍ سَلَّ الحِرَابَ خِصَامُهَا

 

يُقَتّلُنَا في الهَاشِمِيّ يَزِيْدُهَا

       وَيَذْبَحُنَا كُرْمَى عَليّ هِشَامُهَا

 

وَمَا أمّةُ الإسْلامِ إلا حَدِيْقَةٌ

       أَتَى مِنْ طِبَاقٍ حُسْنُهَا وَانْسِجَامُهَا

 

أزَاهِيرُهَا آَلٌ ذُؤَابَةُ هَاشِمٍ

       وَصَحْبٌ عَلالِي يَعْرُبٍ وَسَنَامُهَا

 

وَلَوْلا اِخْتِلافُ النَبْتِ في جَنَبَاتِهَا

       لمَاَ طَابَ لِلأرْوَاحِ فِيْهَا مَقَامُهَا

 

مَدَحْتُ قَصِيدِي إذْ مَدَحْتُكَ عَاشِقًا

       وَمَا كَانَ فِي عَدِّ الصِفَاتِ انْتِظَامُهَا

 

وَلَو حُزْتُ مِنْ كُلّ اللُغَاتِ بَدِيْعَهَا

       وَأسْعَفَ ثَغْرِي جِنّهَا وَأنَامُهَا

 

لَمَا عَدَّ شِعْرِي بَعْضَ فَضْلِ مُحَمّدٍ

       وَلَو مَدَّ حِبْرِي مِنْ سَمَاءٍ غَمَامُهَا

 

أيَا لَهْفَ نَفْسِي يَوْمَ آتِيْكَ مُطْرِقًا

       وَحِمْلِي ذُنُوبٌ شَفّ جِسْمِي جِسَامُهَا

 

تَصُدُّ عَنِ العَاصِي الجَحِيمَ شَفَاعَةٌ

       وَيَغْشَى فُؤَادِي بَرْدُهَا وَسَلامُهَا

 

طَلِيْقٌ كَأهْلِ الفَتْحِ فَاذْهَبْ مُخَلّدًا

       مَقَالُكَ لِي، إنّي إذَنْ لا أضَامُهَا

 

فَيَا رَبِّ سَلّمْ في المَلَائِكِ وَالوَرَى

       وَصَلِّ مَدَى الأزْمَانِ يُبْسَطُ عَامُهَا 

 

صَلاةً عَلى المُخْتَارِ أرْجُو ثَوَابَهَا

       إذا بُعْثِرَتْ بَيْنَ القُبُورِ رِمَامُهَا