قصيدة «عباءةُ الحب» للشاعر مصطفى مطر، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.
القصيدة:
مَا انْفَكَّ ذِكْرُكَ يَأْتِي بِي وَيَذْهَبُ بِي
حَتَّى حَسِبْتُ بأَنِّي قَطُّ لَمْ أَهَبِ
نَفْحٌ مِنَ الْمِسْكِ أَذْكَى رُوحَ كُلِّ نَدِي
وَأَيْقَظَ الدَّمْعَ فِي أَحْدَاقِ كُلِّ نَبِي
أَرْوِي؛ وَلَا تَفْقَهُ الصَّحْرَاءُ قَوْلَ فَمِي
فَيَا مَدَى الْغَيْمِ هَاتِ الْغَيْثَ وَاقْتَرِبِ
لَوْ كُنْتُ بَعْضَكَ مَنْسِيًّا فَأَنْتَ هُنَا
فَيْضٌ مِنَ الْحُبِّ فِي بَيْدَاءِ مُغْتَرِبِ
عُلِّمْتُ مَنْطِقَ بَحْرٍ فِي الْعُلُومِ فَيَا
فَصَاحَةَ الْوَحْيِ حُلِّي عُقْدَةَ الرَّهَبِ
مَا الْخَطْبُ أَفْصِحْ؟ أَرَاكَ الْآنَ مَتْنَ أَسًى
يُجَادِلُ الْآهَ تَأْكِيدًا عَلَى الوَصَبِ
رَتِّلْ حَنِينَكَ آيَاتٍ سَرَيْنَ عَلَى
بُرَاقِ حُبٍّ إِلَى مَنْ جَلَّ فِي الطَّلَبِ
يَا سَرْمَدِيًّا أَضَاءَ الْكَوْنَ مِنْهُ هُدًى
وَهَاشِمِيًّا يُبَاهِي أَشْرَفَ النَّسَبِ
سَنَاكَ حَاكَ لِحَرْفِي بُرْدَةً وَفَمِي
مِنْ رَشْفِ كَفِّكَ صَبَّ المَاءَ فِي اللَّهَبِ
مَا زَالَ يَتْلُوكَ وَجْهًا مُسْفِرًا نَضِرًا
حَتَّى أَصَابَ خُيُوطَ الشَّمْسِ بِالتَّعَبِ
يَمْتَدُّ فِيهَا إِلَيْكَ الْحُبُّ مُبْتَهِلًا
مِنْ أَوَّلِ الْقَلْبِ حَتَّى آخِرِ الْعَصَبِ
رِسَالَةً لَوْ وَعَتْهَا الرُّوحُ صَاغِيَةً
لَاسْتَلَّتِ الْحِقْدَ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ
يَا أَمْلَحَ النَّاسِ خَلْقًا خَيْرُهُمْ خُلُقًا
وَأَطْيَبَ النَّاسِ رِيحًا يَا نَدَى الْأَرَبِ
أَنَا تَوَضَّأْتُ مِنْ عَيْنَيْكَ نُورَ غَدٍ
فَأَوْرِدِ الْحَوْضَ مَنْ بِالْحُبِّ قَالَ: هَبِ
وَغَسِّلِ الْقَلْبَ فِي أَيْدِي مَلَائِكَةٍ
تَشْفِ الْحَيَارَى وَتُطْفِئْ نَارَ مُكْتَئِبِ
أَحْلَامُهُمْ نَخْلَةٌ كَفَّاكَ رَوْضَتُهَا
فَعَجَّلِ الْآنَ لِلقُصَّادِ بِالرُّطَبِ
نَشْتَاقُ رُوحَكَ تَدْنُو كَيْ تُعِيدَ لَنَا
طُفُولَةَ الْفِطْرَةِ الْأُولَى بِلَا نَصَبِ
يَا خَالِدًا سِيرَةً فِي أَعْيُنِي افْتَرَشَتْ
عَبَاءَةَ الْحُبِّ إِذْ مُدَّتْ يَدُ الْعَطَبِ
“وَمَا مُحَمَّدٌ الَّا”؛ كُلَّمَا تُلِيَتْ
يُهَدْهِدُ الرُّوحَ شَوْقًا صرْفُ مُنْتَحِبِ
مُحَمَّدٌ فَاتِحُ الدُّنْيَا وَخَاتَمُهَا
وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ شَمْسُ الصَّفْوَةِ النُّجُبِ
نِدَاؤُهُ فِي السَّمَاوَاتِ ارْتَقَى -عُرَبًا-
بِمُحْكَمِ الذِّكْرِ تَحْنَانًا لِذِي طَرَبٍ
أَثَّثْتُ فِي الْقَلْبِ مِحْرَابًا أُوَجِّهُهُ
تِلْقَاءَ حُبِّكَ؛ حُبَّ الْجَدْبِ لِلْسُحُبِ
خُذْنِي إِلَيْكَ يَتِيمًا كَمْ أَحِنُّ إِلَى
أُمِّي خَدِيجَةَ كَيْ أَدْعُوْ الرَّسُولَ أَبِي
خُذْنِي؛ إِلَيْكَ فَهَذَا وَاقِعٌ شَرِهٌ
بِالْمَوْتِ كَمْ أَرْهَبَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبِ
تَدَاخَلَتْ بِي أُحَاجِيُّ الصُّرُوفِ مُدًى
و أَمْعَنَتْ بِي مَآسِيهَا لِتَفْتِكَ بِي
أَبْكِيكَ أَمْ أُرْسَلُ الدَّمْعَ السَّخِيَّ عَلَى
حَالٍ تَشَنَّجُ تَشْكُو سُوءَ مُنْقَلَبِ
أَبْكِيكَ أَمْ أَشْتَكِي الدُّنْيَا بِرُمَّتِها
مِنْ قَسْوَةٍ فُصِّلَتْ قَبْرًا لِكُلِّ صَبِي
أَبْكِيكَ وَالْغَمُّ دَهْرِيٌّ بِأُمَّتِنَا
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ وَقَدْ ضَلَّتْ خُطَى الْعَتَبِ
مَا أَمْعَنَ الْكَرْبُ إِلَّا قَالَ ذُو رَشَدٍ
يَا غَابِرَ الْمَجْدِ أَدْرِكْ حَاضِرَ الْعَرَبِ
فِي هَدْأَةِ النَّصِّ هَبَّتْ ثَوْرَةٌ بِدَمِي
تَصِيحُ بِالْأُمَّةِ الْثَّكْلَى أَنِ انْتَدِبِي
أَرْوَاحَ مَنْ بَايَعُوا غَيْبًا وَقَدْ حَضَرُوا
فِي بَيْعَةٍ أَهْلُهَا مِنْ خِيرَةِ الرُّتَبِ
لِبَيْعَةٍ؛ وَبُطُونُ الْقَوْمِ قَدْ فَرَقَتْ
فَمَنْ إِذًا سَيُعِيدُ الْحَقَّ بِالْغَضَبِ؟
لَقَدْ طَغَى الظُّلْمُ حَتَّى ابْيَضَّ رَأْسُ فَتًى
رَجَاؤُهُ فِيكَ رَبَّ الْعَرْشِ لَمْ يَخِبِ
تَعَلَّمَ الصَّبْرَ مِنْ أَيُّوبِ حَسْرَتِهِ
يَقِينُهُ فِيكَ لَمْ يَفْزَعْ إِلَى هَرَبِ
أَيُبْصِرُ النَّجْدَةَ الْكُبْرَى لِتَغْمُرَهُ
مِنْ بَعْدِ مَا اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ بَالحَدَبِ؟
هُوَ ابْنُ أُمِّي؛ وَلَمْ تَذْبُلْ طَهَارَتُهُ
فَاسْأَلْ لِتَعْرِفَ؛ هَذَا الطِّفْلُ مِنْ حَلَبِ
وَقَبْلَهُ إِخْوَةٌ فِي الْقُدْسِ طَائِفَةٌ
هُمْ ظَاهِرُونَ وَمَا لَانُوا لِمُغْتَصِبِ
فَهَلْ عَنِتُّمْ؟؛ وَتَرْضَوْنَ الْقِيَادَ لِمَنْ
غَلُّوا لِأَحْمَدَ مَدَّ الدَّهْرِ وَالْحِقَبِ؟
وَتَسْتَبِيحُونَ مَا يَنْهَاكُمُ .. أَسَفَى
وَفِيكُمُ الدَّمُ بِئْسَ الْحَالُ لِلرُّكَبِ؟
إِلَى مَتَى؟ جَدِّدُوا الْإِسْلَامَ وَاجْتَمِعُوا
مَزَّقْتُمُ الدِّينَ بَيْنَ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ
ضَيَّعْتُمُ الدَّرْبَ فِي حِضْنِ الْخِلَافِ فَمَا
الَّذِي جَنَيْتُمْ سِوَى الْإِيغَالِ فِي الْحَرَبِ
وَصَوْتُ أَحْمَدَ فِيكُمْ كَالْغَرِيبِ مَتَى
أَقْدَامُكُمْ تَتَّبِعْ نَهْجَ الْهُدَى تُصِبِ
مِنْ سُنَّةٍ إِرْثُهَا الْبَرَّاقُ لَمْعتُهُ
كَلَمْعَةِ الْمَلْمَسِ الدُّرِّيِّ فِي الذَّهَبِ
مِنْ سُنَّةٍ جَدَّدَتْ نَصًّا قَدْ اخْتَلَفُوا
عَلَى تَفَاسِيرِهِ سَعْيًا إِلَى شَغَبٍ
نَعَمْ، أَظُنُّكِ يَا رُوحُ اشْتَعَلْتِ قِرَىً
لِأَجْلِ طَهَ وَهَذَا أَبْلَغُ السَّبَبِ
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ ظِلًّا لِلسَّحَابَةِ كَيْ
أُظِلَّهُ مُؤْنِسًا مِنْ قَسْوَةِ الْنُوَبِ
عَامٌ مِنْ الْحُزْنِ زَالَ الْحُزْنُ حِينَ رَأَى
نُورَ الْجَلَالَةِ فَاسْتَرْضَاهُ فِي أَدَبِ
فِي سِدْرَةِ الشَّوْقِ مَا ضَلَّ الْفُؤَادُ إِذَا
رَأَى الْكَمَالَ جَلَالًا دُونَمَا حُجُبِ
كَاثْنَيْنِ فِي الْغَارِ قَلْبِي؛ طَافَ حَوْلَهُمَا
يُسَبِّحُ اللَّهَ هَلْ فِي الشَّوْقِ مِنْ عَجَبِ؟
فِي الْغَارِ، وَالْمُصْطَفَى الْمَعْصُومُ أَرْقُبُهُ
شَكَوْتُ، هَدَأَ رَوْعِي، فَانْتَهَى تَعَبِي
عُذْرًا سَهَوْتُ إِذِ اسْتَرْسَلْتُ فِي وَجَعِي
شَرْحًا أَمَامَكَ يَا ذَا الْقَدْرِ وَالْحَسَبِ
مُحَمَّدٌ أَنْتَ تَاجُ الْخَلْقِ قُدْوَةُ مَنْ
تَبَوَّأَ الضَّوْءَ يَرْجُو خَيْرَ مُنْتَسَبِ
تَحِنُّ نَفْسِي؛ وَهَاتِي الرُّوحُ قَدْ خَشَعَتْ
فَرَافَقَتْكَ كَظِلٍّ مَا؛ بِلَا رِيَبِ
جَثَا الْمَدِيحُ إِذِ اسْتَدْعَى الْقَصِيدَ فَلَمْ
يُحْسِنْ؛ وَدُونَكَ قَلْبُ الطِّفْلِ لَمْ يَطِبِ
يَا ذَا الشَّفَاعَةِ صَفْحًا مِنْكَ أَطْلُبُهُ
وَأَنْتَ أَكْرَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فَاسْتَجِبِ
بي لثْغَةُ الطَّفْلِ لَا تَخْفَى؛ وَخَفْقُ دَمِي
هَذَا، أَعُوذُ بِرَبِّي مِنْ دَمٍ كَذِبِ
أَنَا رَجَائِي مِنَ الدُّنْيَا وَجَائِزَتِي
فِي الْخُلْدِ جَارَكَ أَغْدُو سَيِّدَ الْعَرَبِ.