وصلت قصيدة “على باب الرسول” للشاعرة مروة حلاوة، للمرحلة النهائية في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الأولى لعام 2016.

 

مروة حلاوة، هي شاعرة سورية، من مواليد مدينة حماة السورية 1972، نالت إجازتين: الأولى في العلوم 1994، والثانية في اللغة العربية 2003. تكتب الشعر منذ العاشرة، فقد بدأت النشر في مجلة “الطليعي” الطفلية، ثم في الدوريات السورية، وبعض الدوريات العربية.

فازت حلاوة بعدة جوائز شعرية، منها: جائزة اتحاد الكتاب العرب- حماة 1966، وجائزة مجلة الثقافة السورية 1997، وكذلك جائزة أندية الفتيات بالشارقة 1998، وجائزة أبي العلاء المعري 2002، هذا بالإضافة إلى جائزتي نادي الطائف الأدبي 2004، والبردة من أبو ظبي 2004.

ولحلاوة العديد من الأعمال الأدبية، مثل مسرحية (العصفور الصغير) 1998، وديوان شعر (مدينة بلا سماء) 2002. ولها مخطوطان، هما: (علي وشك الضوء)، و(كما لو أنها).

 

 

القصيدة:           

طَفقَ الدجى يصطادُ من سُمّاري

لأظلَّ وحدي أصطلي أوزاري

 

ليلٌ ثقيلٌ “نابغيٌّ” طولُهُ

من وجه “عنترَ” خصّني بإزارِ

 

مُستوحشٌ قلبي يُجافيني الكرى

وطيوفُ أهلي الراحلين جَواري

 

حتّى إذا بلدُ الرقادِ أجاز لي

في شطّه تأشيرة الإبحارِ

 

ووجدتُني فيها خيالَ غريبةٍ

لا الأهلُ أهلي.. لا الدّيارُ دِياري

 

فجلستُ أنتظرُ “الحبيبَ”.. وناظرايَ تَسمَّرا شغفاً ببابِ الدّارِ

 

وسمعتُ طرقاً قلتُ أقبلَ سيّدي

وهرعتُ.. ظبيُ الشوقِ تحت خماري

 

وإذا الذي بالبابِ قومٌ خِلتُهمْ

“يأجوجَ” قد ظهروا على الأسوارِ

 

دافعتُهم وكأنّما بالبابِ “ذو القرنينِ” يُفرِغُ قِطرَهُ بجواري

 

حتّى إذا أوشكتُ أغلقُه أتى

صوتُ “الرسول” يقولُ: ويكِ حذارِ

 

لا تُغلقيهِ.. فقلتُ هذي قصعتي

والقومُ ينهالون كالإعصارِ

 

لا تُغلقيهِ.. وأشرقتْ من وجهه

شمسٌ عليَّ ثريَّةُ الأنوارِ

 

يا سيّدَ الثّقَلَينِ فيكَ تَكشَّفتْ

حُجُبُ الظلامِ و عُقدةُ الأسرارِ

 

وَلَدُ السُّراةِ الأكرمينَ منازلاً

نِعمَ النّجيبُ ووالدُ الأطهارِ

 

ضاءَتْ بمقدمكَ السماءُ وأُطفِأتْ

نارُ المجوسِ.. ويا لثارِ النارِ

 

بُشرى بمولدكَ المجيدِ تحرّرتْ

أَمَةٌ(1) لتولَدَ أُمَّةُ الأحرارِ

 

الغيمُ ظِلُّكَ إذ “بحيرا” قائلٌ

هذي سماتُ القادمِ المُختارِ

 

خُلُقٌ عظيمٌ زانَ أبهى طلَّةٍ

نثرتْ وضاءتها على الأقمارِ

 

هل كنتَ ترعى للورى أغنامهم

أم تهتدي لرعايةِ الأبرارِ

 

مُستبصراً عِفتَ الصحابَ لخلوةٍ

تشتقُّ نوراً من ظلامِ الغارِ

 

“اقرأ”.. و “ما أنا قارئٌ”.. “اقرأ”.. وكانَ الذِّكرُ باسم الواحدِ القهّارِ

 

“أنذِرْ عشيرتَكَ القريبةَ” لَيِّناً

وانسُلْ خيوطَ الفجرِ في الأسحارِ

 

و”اصدعْ بما تؤمر” ولاترهبْ حشودَ الجهلِ خلفَ مَعاقلِ الكفّارِ

 

صبراً جميلاً يا “رسول” على الأذى

من عُصبةِ الظُّلّامِ والفُجَّارِ

 

غادرتَ “مكَّةَ” في الظلامِ مُهاجراً

ليهلَّ نورُ الله للأنصارِ

 

وهزمتَ جيشَ الكفرِ في “بدرٍ”.. وفي

“أحُدٍ” أفاقتْ نشوةُ الدّينارِ

 

قد كانَ درساً أنت فيه مُعلِّمٌ

سقتَ السحابَ لفكرةِ الأنهارِ

 

يا يومَ “مكّةَ” والحنينُ أشدُّهُ

بمُهاجريها والقلوبُ سَواري

 

يومٌ أعزَّ “الله” فيهِ جنوده

من بعد ضيمٍ في الحمى وفرارِ

 

يومٌ.. وكنتَ أخاً كريما للأُلى

بالأمسِ كانوا في أذاكَ ضواري

 

ما كنت مُنتقماً “كنوحٍ” قال ربّي لا تذرْ في الأرضِ من دَيَّارِ

 

نادتكَ “مكّةُ” للوداعِ فجِئتَها

والقلبُ منشرحٌ للُقيا الباري

 

اليومَ تمَّتْ نعمةُ الرحمن بالإسلامِ دين الحبِّ والإيثارِ

 

لايؤمنُ الإنسانُ حتى يرتضي

لأخيهِ ما يرجو من الأقدارِ

 

تبكي البَرِيّةُ خير من ضَمَّ الورى

والصحبُ بينَ مُشكِّكٍ ومُدارِ

 

وتقولُ هذي الأرضُ كم مِنْ شجرةٍ

حنّتْ حنينَ “الجذعِ” من أشجاري

 

سَمحُ السجايا فيكَ كلُّ فضيلةٍ

نفحتْ صنوفَ العطرِ في الأزهارِ

 

دَلَّ العبيرُ على العبيرِ فإن مشيتَ.. فإنَّما تمشي على نوّارِ

 

ما احتاج أهلُك في الدجى مصباحَهمْ

أنتَ الذي تسعى إليهِ دراري

 

لولاكَ كم من طفلةٍ ستَبُلُّ رملَ القبرِ منذ نعومةِ الأظفارِ

 

شهمٌ كريمٌ طيِّبٌ متسامحٌ

وجهٌ عَصيُّ النسخِ والتكرارِ

 

يا سيّدي المختارَ دونكَ في الندى

معنى الندى وسماحةُ الأمطارِ

 

يا سيّدي أشكو إليكَ بني أبي

بُذِروا لدائرةِ الرحى كبذارِ

 

أخفوا خيولهم الكرامَ ليجعلوا

حدثَ “النعامةِ” وجهةَ الأخبارِ(2)

 

يَتقاتلونَ على صلاةِ أبيهمُ

وسيوفُهم خشبٌ على الأشرارِ

 

ولطالما ذكّرتهم: يا إخوتي

لو كان ينفعُ إخوتي تذكاري..!

 

توبوا لربّكمُ و” قولوا حِطَّةٌ

للّهِ لا لعمائم الأحبارِ

 

شاؤوك منقسما على أهوائهم

دوراً لما شاؤوا من الأدوارِ

 

لكنّما الله اصطفاكَ مُوَحَّداً

للخلقِ لا وجهاً لكلِّ غِمارِ

 

الله شاءكَ رحمةً لجوارهم

ولنعمَ جارُ “المصطفى” من جارِ

 

يا سيّدي.. أبوابُنا ملغومةٌ

بتشتُّتِ الأهواءِ والأفكارِ

 

بالهاربين من الصباحِ بظلِّهمْ

والنائحاتِ على هَوامِ الثارِ

 

يا سيّدي.. بابي وراءكَ عِفتُهُ

وقصدتُ بابَكَ عاصِبي زنّاري

 

جوعي لتمركَ بالغٌ فيّ المدى

وبغيرِ نهرِكَ لا يُبَلُّ أُواري

 

صلّى عليكَ اللهُ والملأُ العُلا

يا سيّدي ومواكبُ الأخيارِ

 

يَرجون منكَ شفاعةً وأنا التي

بكَ بعد ربّي أهتدي لمساري

 

لي فيكَ قافيتانِ هذي قلتُها

وخفيَّةٌ عصيتْ على أشعاري

 

أرسلتُها حذَرَ العواذلِ في الدجى

تسعى إليكَ مع السّحابِ السّاري

 

أطعمتُها روحي الغميسةَ بالشذى

و وزرتُها شفةً إلى آذارِ

 

أسرجتُها زُلفى إليكَ فإن كَبَتْ

فلعلَّ ضيقَ القولِ من أعذاري

 

 

(1)   إشارة إلى عتق عمّ الرسول عليه الصلاة والسلام الأَمَة التي بشّرت بولادته.

(2)   إشارة إلى النعامة فرس الحارث بن عباد والتي امتطاها للثأرِ من بكر يوم تِحلاق اللّمم.