قصيدة «على بساطِ الهُدى» للشاعر محمد إبراهيم الحريري، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

القصيدة:

مُدِّي بساطَ  الهُدى- يا شمسُ – وارْتقِبي

وحياً، عن الأَرْضِ  يجلُو عتمةَ الحِقَبِ

 

سماءُ مكَّةَ غصَّتْ بالعيونِ، ولا

مقدارَ موطئِ تَنْجِيمٍ  لِمُكْتَئِبِ  

 

والليلُ أخفقَ باستردادِ ظلمتِهِ

بعدَ اختباءِ الدُّجى بالسَّاترِ الخَرِبِ

 

ألا تَرَيْنَ ابتساماتِ الضُّحَى كَشَفتْ

عن حُسنِها سُورةٌ مكيَّةُ الشُّهُبِ؟

 

فاستقبلي الصَّحوةَ الكُبرى، فليس لها

بابٌ إلى الضَّوءِ، إِنْ غامتْ بدمعِ صبِي  

 

مرَّتْ على الأَرْضِ  آلافُ النّجومِ، ولم

تَعْلَمْ بفجرٍ، يُعِيدُ اللَّيلَ للحُجُبِ

 

وحينما احدَوْدَبَ الماضي، وأرهقَهُ

طولُ المسيرِ تبنَّتْهُ يدُ النُّوَبِ

 

والأرضُ ألفُ غُرابٍ خلفَ جُثَّتِها

يبكي، وقابيلُ لم يَحنَثْ  بمُرتكِبِ

 

حَتَّى  إذا استنفَدَتْ ساقاهُ خطوتَهُ

عادتْ بخُفَي جدالٍ خاويَ الطَّلبِ

 

كَأَنَّ سُبحةَ تقديسِ العَمى انفرطتْ

حينَ النَّهارُ استوى في عينِ مُرتَقِبِ

 

والوحيُ يحملُ بُشرى في يديه أتى

للأرضِ جَهْرًا، ولا تدري القصيدةُ بِي

 

فكِّي قيودَ فمي، فالشِّعرُ فاجأني

من غيرِ سابقِ أطلالٍ،  ولا  صَخَبِ

 

وفرصتي لم تقفْ مكتوفةً، ويدي

ما عانقتْ قلمًا إلا بفضلِ نَبِي

 

وإنْ تأخَّرتِ في توصيلِ صورتِهِ 

إلى المُصابينَ بالأحلامِ ، فاقتربي

 

مقدارَ بُحَّةِ نايٍ،  أو أقلَّ فَماً

كوني، إذا أسكَرَتْهُمْ نشوةُ القَصَبِ   

 

مرعى الشُّويهاتِ صارَ الذِّئبُ يحرسُهُ

والضَّرعُ في مَأمنٍ عن هجمةِ السَّغَبِ

*******      

قد لاح في الأفْقِ نجمٌ، لا  شبيهَ له

إلَّاهُ، حين  يراه النَّاسُ  عن كَثَبِ

 

وكان أقربَ تشبيهٍ لصورتِهِ

ضوءٌ يزيلُ ظلامَ النَّفسِ  بالنُّجُبِ

 

لا تَعجَلِي، فارقُ الأبصارِ بينَهما

بُشرى، مُحصَّنةٌ من أَعينِ الشَّغَبِ

 

واستهلكَ النَّاسُ في تأويلِهم حُلمًا

في نصفِهِ اختلطَ التَّصديقُ بالعَجبِ

 

هذي النُّبوَّةُ، أَمْ  سحرٌ، وليس له

أمٌّ تُعلِّمُهُ، أو يقتدي بأبِ؟

 

وكيف أُخلِفُ دربي، بعدَ أَنْ  خَطفتْ

أنوارُ (أحمدَ) قلبي من يدِ التَّعبِ؟

******

قد صاغ أحمدُ بالأقلامِ معجزةً

يَوْمَ ابتلى الجهلُ بالجاثي على الرُّكَبِ

 

والنُّورُ بادرَ في تَثبيتِ رؤيتِهِ

حينَ الخرافاتُ هزَّتْ كلَّ مضطربِ

 

كأنَّه القمرُ الشِّعريُّ، بردتُهُ

تَشِفُّ عن سُورةٍ في أصدقِ الكُتُبِ

 

من حولِهِ ألفُ مشكاةٍ معلَّقةٌ

بالعرشِ، تُوقَدُ من زيتونةِ الأدبِ

 

وبين حكمَتِهِ  والصَّبرِ عاصفةٌ

منَ المبادئِ تُلغي سطوةَ النُّصُبِ

 

ميقاتُ عَيْنيهِ بالتَّوحيدِ مقترنٌ

والشِّركُ ملتزمٌ بالمَبدأِ  الخشبي

*******

قد آنَّ للبدرِ يقضي ليلةً رَسمتْ

مسراهُ فوق مخدَّاتٍ من الهُدُبِ

 

فالجاذبيَّةُ للمعراج ترفعُهُ

قَدْرًا، وتخفضُ عنَّا نسبةَ الكُرَبِ

 

والنَّاسُ ما بين فكَّي سَكرةٍ، وهوى

نَفْسٍ، يَشِيدُون صرحَ الجهلِ بالطَّربِ

 

والأَخْذُ بالشِّرْكِ من أولى نتائجِهِ

إنْ يُسندَ الصَّحْوُ من بابِ العَمى لغَبِي

 

فوضى، وحربٌ عقيمٌ أنجبتْ فِتَنًا

من رَحْمِ صحراءَ  تُخفي اليأسَ بالغَضَبِ

 

وكنتَ وحدَكَ يا بنَ الهاشميِّ، وَهُمْ

جيشٌ، تمزَّقَ بين العارِ  والهَربِ

 

ولو أشرتَ إلى أغناهمُ بيدٍ

لما نزلتَ سوى في قصرِهِ الذَّهبي

 

فاستأنسُوا صنمًا، من فَرْطِ خلطَتهِ

بالوحلِ عن تُهمةِ النَّحاتِ، لم يُجِبِ

******

كلُّ المُصابينَ  بالتَّنجيمِ أَوهمَهم

بالنَّصرِ ربٌّ، ولم تصدقْ سوى الخُطَبِ

 

فازَّيَّني بسِوارَي غَزْوَةٍ، خُلِطَتْ

فيها  الجواهرُ معْ  إستبرقِ الحَسَبِ

 

واسترجعي صورةَ الأنثى، وليس لها

ذنبٌ سوى الصّمتِ في مستنقعِ الرِّيَبِ

 

واليومَ صارتْ لأفياءِ الهدى شرفاً

في ظلِّها النَّخلُ يُعطي أحسنَ الرُّتَبِ

 

الظنُّ بالطِّينِ لا ينفي أصالتَهُ

دربٌ يمرُّ به من موحلِ السَّببِ

 

في ظلِّ (غارين) قامتْ ألفُ داليةٍ

دُونَ اعتراضٍ على قَيلولةِ العِنَبِ

 

وما يزال انهيارُ الطَّيشِ تذكرُهُ

فأسٌ على صنمٍ هزَّتْ أبا لَهَبِ

*****

يا أيَُها الليلُ، لا تقبضْ على حلمٍ

قد نامَ طفلٌ به من شدِّةِ الَّلعِبِ

 

أبوابُ (يثرِبَ) فيها النُّورُ منتظرٌ

أن يَطْلُعَ الفجرُ من بوَّابةِ النُّخبِ

 

فالشَّمسُ عِنْدَ  اكتمالِ البدرِ يسعدُها

إذا رأتْ وجهَهُ في عينِ مُغترِبِ

*****

يا سيِّدي، قلقي لم يُجْدِ لي أملاً

والصَّبرُ أعزلَ لا يُجْدِي عن العَتَبِ

 

منذُ الشِّراعُ تآخى معْ سفينتِهِ 

والموجُ لم ينتهكْ عُذريَّةَ الخَشبِ

 

إليكَ أشكو احتراقي من عروبتِنا

وموقفي زادني قرباً مِنَ  العَطَبِ

 

وكمْ  فمٍ حَوْلَ (كِيْرِ) الطَّائفيِّةِ قدْ

أورى بنفختِهِ حربا عن اللقَبِ!!

 

بِضْعٌ وسبعون ناراً كلما انطفأتْ

حربٌ يزوِّدُها (كسرى) بِمُحْتَطِبِ

 

من شهقةِ الويلِ شابتْ في معاركِهم

كلُّ السُّيوفِ، وغمدُ الثَّأرِ لم يَشِبِ

 

والنَّارُ تحتضنُ الخصمين، حالمةً

بالجمرِ، إِنْ  وصلتْ شيخوخةَ اللَهَبِ

 

لولا تلاطمُ أمواجِ الحريقِ لما

قامتْ لبحرٍ بيومٍ  ثورةُ السُّحبِ

*****

الْيَوْمَ  لا قبلَهٰ أو بعدَهُ جدلٌ

فيما يقولٰ رَسُولُ  اللهِ للعَربِ

 

وملءُ عَيْنيهِ تحذيرٌ، يخالطُهُ

خوفٌ على أمَّةٍ من عُقدةِ النَّسبِ 

 

مُحذِّرا من شِقاقِ الصَّفِّ في زمنٍ

يَطْغَى علينا به المشغولُ بالكذبِ  

 

في ظلِّ بُردَتِهِ كم توبةٍ عَقَدَتْ

صِنَّارةُ العَفْوِ، والأقلامُ لم تَغِبِ!!

 

وما تصدَّى إلى النِّيرانِ يُطْفِئُها

ثأراً مِنَ  الجمرِ، بل حرصًا مِنَ  الحَطبِ

 

أين اتجهتُ أرى نوراً بهالتِهِ

فجرٌ يطوفُ، وبدرٌ غَيْرُ مُحتَجِبِ