قصيدة «نهر المحبة» للشاعر محمد إبراهيم يعقوب، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

القصيدة:

نهر المحبّة

في مدح محمد صلى الله عليه وسلم

 

لا كوكبٌ

إلا وثمَّ مدارُ

في أيِّ أفلاكِ السماءِ تحارُ ؟!

 

العابرون

إلى دوارِ كؤوسهم

لم يدركوا كيف الكؤوسُ تدارُ !!

 

ذابوا ولم يثقوا بقلبٍ واحدٍ

عند الصبابةِ تكشفُ الأستارُ

 

والمتعبون

حنينهم أولى بهم

فالواقفون ببابهم خُطّارُ !!

 

نايٌ على البابِ الأخيرِ

فهل تُرى ؟!

تقسو على سكّانها الأوتارُ

 

من لم يروا إلا حجارةَ حزنهم

لم يؤمنوا

أنَّ الهوى فخَّارُ

 

همُّوا بتأويلِ الطريقِ

ولا يدٌإلا وتهجسُ:

قد يفوتُ قطارُ !

 

وأنا هنا ظلُّ الغيابِ

كأنَّنيجمرٌ تفرّقَ دونهُ السمّارُ

 

 

جنبايَنهبٌ للمرايا

كلماآنستُ ناراً

آنستني النارُ !!

 

عانقتُ حتى لم أوفّر غيبةً

وذهبتُ حتى ملّت الأسفارُ

 

وقرأتُ في السفرِ الطويلِ نبوءةً

أنَّ الليالي كلهنَّ قصارُ

 

لم أنجُ من جرحٍ

فثمَّةَ وردةٌ

يوماً تثورُ لنفسها الأزهارُ !!

 

جرّبتُ كلَّمدينةٍ ومدينةٍ

لا يبلغُ الغرباءُ مهما ساروا

 

قد جئتُ من رئةِ الفراغِ

حقائبي قلقٌ

وأفقُخرائطي عشتارُ

 

أدري خسرتُ

ولا معارك في دمي

فأنا هنا

مرثيةٌ وغبارُ

 

قد جئتُ أحملُ

، رغم كلِّ وساوسي ،

ما لا تمسُّ مقامهُ الأوزارُ

 

فيضٌ سماويٌّ سأطرقُ بابهُ

قد يرجعُ الغيّابُ

مهما حاروا

 

طه ..

وترتبكُ اللغاتُ على فمي

في الأبجديّةِليس ثمَّ خيارُ

 

منذ استلمتُ رمالَطيبة

نخلتيطالت

وعند الروضةِالأخبارُ

 

أخطو على ساحاتِ روحي

رجفةٌ تهفو

وأخرى في الضلوعِ تغارُ

 

رئةُالمآذنِ

ما اقترحتُ هواءها

إنَّ السماءَ تنفّسٌ مدرارُ

 

والقبّةُ الخضراءُخفَّةُ عاشقٍ

لم تمتحن أعشابها الأمطارُ

 

تندى “السلامُ عليكَ”

عن ملكوتها

كم حجرةٍيرقى بها الزوّارُ

 

جاريتُ أخطائي

إلىمحرابهِكي أستلذَّ

فخانني استعبارُ

 

هذا الذي مسَّ السماء َ

بقلبهِ

من قبل أن يُصغي إليه الغارُ

 

بطحاءُ مكةَ إذ تعانقُ خطوهُ

أمٌّ تحنُّ

وخافقٌ موّارُ

 

اللهُ

شرّفهُ بأطهرِ سيرةٍ

فمن اسمهِ يتصعَّد الأطهارُ

 

واختارهُ الرحمنُمعنى رحمةٍ

والله جلَّ جلالهُ

يختارُ

 

جاءت رسالتهُ كتابَ محبةٍ

والحبُّ أعظمُآيتيهِ

نهارُ

 

قد حرَّرَ الإنسانَ من أوهامهِ

لا ربَّ

إلا الواحدُ القهَّارُ

 

ثارَ اعترافاً بالحياةِ

وعاشها

كم ثورةٍ قد خانها الثوَّارُ ؟!

 

“والله لو وضعوا …”

وثيقةُ عرشهِ

ماذا يزوِّرُ بعدهُ التجَّارُ ؟!

 

آياتهُ الكبرى

فصاحةُ جوعهِ

وحنوُّهُ

وثباتهُ الجبَّارُ

 

وقريشُ

تعرفُكيف فوَّضَ أمرهُ للهِ

وامتُحِنتْ بهِ الأقدارُ

 

جاروا على صحبِ الحبيبِوآلهِ

لو أنصتوا بقلوبهم

ما جاروا

 

ضاقت به الدنيا

لسكرةِ غيِّهم

والغيُّ نصفُ كؤوسهِ استكبارُ

 

حَزَناً عليهم

كاد يُذهبُ نفسَهُ

وبمائها تتنفَّسُ الأنهارُ

 

سُبحانَ من أسرى بهِ

في ليلةٍ

المعجزاتُتفكُّرٌ سيَّارُ

 

جبريلُ ، في أثرِ البراقِ ، يحفُّهُ

فالركبُ

نعمَ النورُ والنوّارُ

 

والمسجدُ الأقصى تباركَ حولهُ

في كل معنى آيةٌ ومزارُ

 

والأنبياءُ

بلحظةٍ عُلويةٍ صلَّى بهم

إنّ الكبارَ كبارُ

 

ودنا لنورِ الله

في معراجهِ

عَزَّ المقامُ ، وجَلَّت الأنوارُ

 

يبقى من الأرضِ

الحنينُ لأهلها

وجوارُ مكّةَ ليسَ عنهُ جوارُ

 

هم أخرجوهُ

فثمَّ أعظمُ هجرةٍ

فيها اليقينُ تعبّدٌ وإطارُ

 

فكأنَّ بيتَ العنكبوتِ سكينةٌ

وكأنَّ تاريخَ الحمامِوقارُ

 

من لم يرَ الآياتِ يسأل قلبهُ

فالقلبُ

إمّا جنَّةٌ أو نارُ

 

إنَّ المبادئَ حرَّةٌ وعصيَّةٌ

والموجعونَ بحملها

أحرارُ

 

نزلَ المدينةَ

كلُّ عينٍ طائرٌ يرنو إليهِ

وكلُّ قلبٍ دارُ

 

فهنا تقامُحضارةٌ

أركانها عدلٌ

وسقفُ بنائها استغفارُ

 

آخى..

وكانوا في التناوشِ أمةً

وفدى ..

فكان العفوُ والإيثارُ

 

في ” … أنتمُ الطلقاءُ “

مجدٌ خالدٌ

لم تمتحنهُ كنانةٌ ونزارُ

 

هو رحمةٌ للعالمين

فهديهُ

“باقٍ ، وأعمارُ الطغاةِ قصارُ”

 

عمرٌ جرى في الأرضِ

نهرَ محبةٍ

بعطائها تتمايزُ الأعمارُ

 

صلَّى عليهِ اللهُ ..

ما أصغتْ ربى

وتودّدتْ لسمائها الأشجارُ

 

وخلا فؤادٌ

كي يناجي ربَّهُفي ظلمةٍ ..

فاهتزت الأسحارُ

 

صلَّى عليهِ الله ..

ما مسحت يدٌ رأسَ اليتيمِ

ورُدِّدت أذكارُ

 

ودنا صبيٌّ

كي يقبِّلَ أمَّهُ فبكتْ

ودمعُ الأمهاتِ حوارُ

 

صلَّى عليهِ اللهُ ..

ما ارتبكَ الهوى بينَ العيونِ

وزُوِّرَتْ أعذارُ

 

وتعلَّقتْ روحٌ

بوعدِ لقائهِ

فالسائرونَ بنورهِ أقمارُ

 

بالحبِّ كانَ محمّدٌ

وبهِ انتهى

لا كوكبٌ إلا وثمَّ مدارُ