قصيدة «نَهْرُ الضِيَاء» للشاعر عبيد عباس، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.

القصيدة:

أبْحَرْتُ، لى شَاطئانِ المِيمُ والدَالُ

فى الحبِّ؛ حَيثُ انْتَفى المَدْلُولُ والدَالُ

 

حَرْفَانِ بَينَهُمَا حَرْفَانِ نَهْرُ هَوًى

كَانَ الأحِبَّةُ فِيهِ المَاءَ فَانْسَالُوا

 

مِنْهم عَلِيهمْ بِهِمْ ذِكْرًا وَكَمْ هَطَلُوا 

فَاخْضَو ضَرتْ  أعْصُـرٌ مِنْهُمْ  وأَجْيـَالُ

 

كَأنَّهم، في مَدَارِ الوَجْدِ إذْ سَكِرُوا

فَاسْتَوبَلُوا الصَحْوَ، أقْطَابٌ وأبْدَالُ

 

في لَحْظَةٍ مُشِجُوا طَىَّ العِنَاقِ بِها

في غَيرِ عُمْرَانِها للْكَونِ أطْلالُ

 

كَأنَّهَا الدَهْرُ، لا حَالٌ يُبَدِّلُهم

فِيهَا، وَإِنْ قِيلَ : لِلْعشَّاقِ أَحْوَالُ

 

فِيهَا من الأرْضِ أشْوَاقٌ وأسْئلَةٌ

فِيهَا مِن الغَيبِ تَنْزِيلٌ وإنْزَالُ

 

حتَّى إذا شَارَفُوا الإدْرَاكَ وَالْتَبَسَتْ

في لُجَّةِ الصَفْوِ أرْواحٌ وَأشْكَالُ

 

تَبَدَّدَ الآلُ لا أرْضٌ وَلا زَمَنٌ

وَكُلُّهُمْ خَلْفهم في أمسِهِم آلُ

 

تَكَشَّفَتْ حُجُبٌ أُمّاً تَبَسَّمُ إنْ

طَافَتْ بِهَا الآنَ ذِكْرَى وَهْىَ مِثْكَالُ

 

“مُحَمَّدٌ”؛ والشَـذَا مازَالَ مُنْتَشِـرًا

وللصَدَى, نَجْلِ صَوتِ الحَقِّ, أنْجَالُ

 

مُذْ أنْ أضَاءَ بِهَا مِنْ قُدْسِ “آمِنَةٍ”

وَأمُّهُ الأرْضُ في الأَفْلاكِ تَخْتَالُ

 

تَرْنُو إِلَيهَا المَجَرَّاتُ الَّتى شُدِهَتْ

كَأنْ مِنْ النَجْمِ حُسَّادٌ وعُذَّالُ

 

شَوْقًا يَطُوفُونَ وَهْوَ المُسْتَضَاءُ بهِ

مِن الكَوَاكِبِ تَبْغِى الوِرْدَ أَرْسَالُ

 

كُلٌّ يَمُدُّ يَدًا لِلْنُورِ أَو قَدَمًا

كَأنَّهُم, وَهْىَ, طَمَّاعٌ وبَخَّالُ

 

لمْ يَجْمِلِ الحُسْنَ مَعْنًى وَاحِدٌ ولَهُ

في كُلِّ تَفْصِيلَةٍ لِلْحُسْنِ إِجْمَالُ

 

طِفْلُ الفَرَادِيسِ مِنْ إِشْرَاقِهِ انْهَتَكَتْ

عَنْ كُلِّ مُعْجِزَةٍ في الكَوْنِ أَسْدَالُ

 

نُورٌ يَخِرُّ لَهُ إيوَانُ كُلِّ دُجًى

في العَالمِينَ كَأنَّ النُورَ زِلْزَالُ

 

من ظلِّ غَادِيَةٍ أو حَرْفِ ثَاغِيَةٍ

يحوطُه ثمَّ إكبارٌ وإجلالُ

 

وحينَ شَقَّ الملاكُ الصدْرَ كانَ هَوَى

مِنْ مظْلِم ٍ بَشَـرىٍّ مِنْهُ مِثْقَـالُ ..

 

كَأىِّ وَصْلٍ سَمَاوىٍّ بِهِ انْبَجَسَتْ

عَينُ السَماءِ وصَوتُ  الوَحْى مُنْسَالُ

 

“أنْتَ النَبىُّ” لَهُ قَالَ “ابنُ نُوفَل” إذْ

عَبْرَ العُصُورِ بِهَا مَا زَالَ جَوَّالُ..

 

في كُلِّ مِئذَنَةٍ يَزْهُو الزَمَانُ بِها

حَقِيقَةً مَا بِهَا نَقْصٌ وإخلالُ

 

يَسْعَى لِيَمْحُوَ آكَامَ الظَلامِ بِهَا

سَعْى المُحِبِّ ومَا فى الحُبِّ إقفالُ

 

أَكَادُ ألْمِسُ كُنْهَ القُربِ إذْ نَزَعَتْ

يَدُ الألُوهَةِ ظَنًّا وَهْوَ أسْمَالُ

 

فَكَانَ لِلْمَحْوِ أدنى , والفُؤادُ يَرَى , 

مِنْ  قَاب قوسَينِ إذْ حِلٌ وتَرْحَالُ

 

كَأَنَّنى وَهْوَ فى رُوحِى أَقُولُ لَهُ :

إنْ تَبْقَ مَولاىَ فِيها تَبْقَ آمَالُ

 

هَوَاكَ أمْ كَعْبَةٌ مِنْ سِرِّها رَجَعَتْ

لِكُلِّ “إِبْرَهَةٍ” بِالخِزْى أفْيَالُ ؟

 

أمْ رِيحُ يُوسُفَ بِالتَذْكَارِ مِنْكَ ذَكَتْ

وَقَلْبىَ المُطْفَأ ُالعَيْنَينِ “إِسْرَالُ”

 

أَنْتَ الطَرِيقُ, وَأَنْتَ المنْتَهَى, وَأنَا

مِلْيُونُ صَبٍّ قَدِ انْسَاقُوا وَمَا زَالُوا

 

أَمْضـِى مَـعَ  السِـيرَةِ  المعْطَـارِ عَانِيَةٌ

ذَاتِي “سُلَيْمَانُهَا” لِلْذَاتِ إِبْطَالُ

 

بِهُدْهُدِ البَوحِ قَدْ سَافَرْتُ عَنْ “سَبَئِى”؛

صَمْتُ المُضَلَّلِ عِنْدَ الهَدْى إِضْلالُ

 

مَا قُلْتُ: أَحْمَدُ؛ حَتَّى انْطَاعَ لى وَهَوَى

في ظُلْمَةِ الرُوحِ مِنْ مَعْنَاىَ تِمْثَالُ

 

و”سَاوَتِى” غَاضَ فِيهَا المَاءُ وَانْطَفَأتْ

“نَارِى”, وَلِى نَبَتَتْ بِالوَصْلِ أوْصَالُ

 

وَأَطْلَقَ الشَوْقُ مِنْ قَلْبِى حَمَائِمَهُ

أَيَحْمِلُ الماءَ يَا مَولاىَ غِرْبَالُ ؟!

 

مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ الآنَ أنَّ دَمِى

مُسْتأنِسٌ فِيهِ عُشَّاقٌ وَأَطْفَالُ

 

عَارٍ, إِذَا اجْتَالَ مِنْ عَلْياكَ بى قَمَرٌ

مِنِّى, وَلى مِنْ خُيُوطِ الصَفْو سِرْبَالُ

 

أَدْنُو؛ فَأًدْنُو لمعنىً فِيكَ مُحْتَجِبٍ

عَنْهُمْ, وَإِنْ كَانَ قَوْلِى مِثْلَ مَا قَالُوا

 

في ذَلِكَ النَهْرِ لا كَأسٌ سِوَى لُغَتِى

وَالأَبْجَديَّةُ فِيهَا العِلْمُ دَجَّالُ

 

هَلْ لِى مِن العَجْزِ إلا أَنْ أَقُولَ لَهَمْ:

قلبي وَحبُّكَ ظَمْآنٌ وَسَلْسَالُ

 

مَا زَالَ بِاسْمِكَ يَرْوِى كُلَّ بَاقِيَةٍ

رَاوٍ، وَيَمْحُو خُطُوطَ الرَمْلِ رَمَّالُ

 

وَيَنْقُلُ العِلْمُ مِنْ مَعْنَاكَ تَرْجَمَةً

لِلْناسِ لَيْسَ لَهَا فى الفِكْرِ مِنْوالُ

 

رَسَّخْتَ للْـدَولَةِ العَصْـرِيِّةِ امْتزِجَتْ

فِيهَا على الأرْضِ أقْوَالٌ وأفْعَالُ

 

آخَيتَ في العِرْقِ ,لا عُرْبٌ وَلا عَجَمٌ ,

واللَوْنِ صِنْوَ “بِلالٍ ” كَانَ ” هَزَّالُ “

 

وَفى “لَكُمْ دِينُكُمْ” بالبِرِّ قاعِدةٌ؛

رُحْمٌ لَنَا الدِينُ لا ذُلٌّ وإذْلالُ

 

أمَّا “القَوارِيرُ”, مِنْ مَوؤدَةٍ وُئدَتْ

فى فِقْهِ ذُكْرَانِنا, قَدْ نلْنَ مَا نَالوا

 

قَدْ ظَنَّهُ الغـَرْبُ نَقْصًا أنْ رَأَوا بـَشَرًا

وَلمْ تَقُلْ: دَعْوَتِى لِلْعَيْشِ إِهْمَالُ

 

مِثلَ المَسِيحِ سَمَاويًّا أتَيتَ؛ فَأَرْ

ضِيًّا, كأنَّكَ تَصْدِيقٌ وإكْمَالُ

 

هَل الفَضِيلَةُ إلا مَا نَرَى ؛ مَلَكٌ

مُجَسّدٌ أصْلُهُ مَاءٌ وصلْصَالُ

 

مِنْ قَولِكَ الحقَّ بِالإيمَانِ قَدْ نَهَضَتْ

حَضَارَةٌ أُسُّهَا لِلْعَقْلِ إِعْمَالُ

 

حَتَّى تأوَّلَ فِيكَ البَعْضُ وانْحَرَفُوا ؛

فَكَانَ في النَصِّ إدْرَاجٌ وإبْدَالُ

 

يُحَدّثونَ يَقينًا عَن “أبِى لَهَبٍ “

ومِنْ “أبى جَهْلِهم” مَا زَالَ جُهَّالُ

 

ما يَرْفعُ الفِكْرَ والإنْسَانَ قَدْ نَسَخُوا

ثُمَّ ادَّعُوا أنَّ قَولُ اللهِ مَا قَالُوا

 

لَيسَ المُسِىءَ إلِيكَ اليَومَ منْ كَفَروا ؛

بَـل المسـيءُ إلِيـكَ المُجْـرِمُ الضَـالُ

 

مَنْ نَصَّبَ الجَهْلَ في أوْطَاننا وَطَنًا

عُبَّادُه يَعْبدُونَ العِجْلَ مَا زَالُوا

 

أوطَانُنا نَحْنُ، إنْ ضِقْنَا بِمَا وَسِعَتْ

ضَاقَتْ؛ وتُغْتالُ فِكْرًا حِينَ نُغْتَالُ

 

مِيرَاثُكَ العِلْمُ والأخْلاقُ لو جُمِعَا

في الأرضِ؛ صَارَ السَلامُ المَحْضُ يخْتَالُ

 

وَكَادتِ الناسُ أنْ تَغْدُو مَلائكَةً

تمـْشى عـلى الأرْضِ لا غِـلٌ وأغْـلالُ

 

لأنَّهم باسْمِكَ المَيمُونِ إنْ دَخلُوا

في نَهْرِ حُبِّكَ صَارُوا المَاءَ فانْسَالوا

 

“.. مِنْهم عَلِيهمْ بِهِمْ ذِكْرًا وَكَمْ هَطَلُوا 

فَاخْضَوضَرتْ أعْصُرٌ مِنْهُمْ وأَجْيَالُ..”