قصيدة «هَوَاجِسٌ مُقَدَّسَة» للشاعر عمر الراجي، المشاركة في جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في نسختها الثانية لعام 2017، عن فئة الشعر الفصيح.
القصيدة:
عَـلَى صَدْرِكَ الآنَ اكْتَشَفْتُ شَرائِعِي
وَفي طَيْفِكَ الشَّفَّافِ بَعْضُ نَوَازِعِي
،،
وَما كَانَ فـي الأشْعَارِ قَلْبِي مُسافِرًا
لِيُنْشِدَها، إلّا لِأَنَّكَ سَامِعِـي
،،
مَـنَحْتَ لِـتِلْكَ الْأَرْضِ فُرْصَةَ حُسْنِهَا
فَـكَانَتْ فُصُولًا مِنْ فُـصُولِ الـرّوائِعِ
،،
فَأنْتَ خَريرُ المَاءِ، طَـعْمُ انْـسِكَابِهِ
وَأُنْشُودَةٌ أَلْحَانُها فِي تَـتَابُعِ
،،
تُريقُ سَلامَ الفَجْرِ في كُلِّ زَهْرَةٍ
وَتَزهُو نَسيمًا في سُكُونِ الْمَرَابعِ
،،
وَإِنْ مَاتَ نَجْمٌ في السّماءِ تَعَشُّقًا
زَرَعْتَ لَهُ قَلْبًا بِخَطِّ الْأَصَابِعِ
،،
فَيَا قادِمًا كالغَيْثِ، يَا نَكْهَةَ النَّدَى
ويَا أعْذَبَ الأَسْماءِ مِنْ كُلِّ شَائِعِ
،،
تَصُومُ عَنِ السَّلْوى مَوَاسِمُ غَيْمِهِ
لِتَهْطُلَ إيمَانًا عَلَى قَلْبِ جَائِعِ
،،
يَنَامُ وفي جَفْنَيْهِ تَسْهَرُ فِكْرَةٌ
يُبَرْعِمُها سِفْرُ الْعُيُونِ الْهَواَجِعِ
،،
لِتَنْطِقَ مَا بَعْدَ الرُّجُوعِ حُرُوفُها
مَوَاعيدَ وَحْيٍ تَسْتَضيفُ أَضَالِعِي
،،
وَتَلْفَحُني بالْحَرِّ نَارُ يَقِينَهَا
بِأُفْقٍ عَلى مَدِّ المسَافاتِ شَاسِعِ
،،
وَكُنْتُ قُبَيْلَ النّزْعِ أَرْنُو لِفِكْرَةٍ
عنِ الأَرْضِ، وَالإِنْسَانِ…عَنْ سِرّ صَانِعِي!
،،
أَرَى سَكْرَةَ الْأَرْوَاحِ في هَذِهِ الدُّنَى
وَتَخْنُقُنِي وَسْطَ الضُّلُوعِ دَوَافِعِي
،،
وَتَمْلَؤُني بِالشَّكِّ شُطْآنُ غَيْبِهَا
وَتَجْعَلُنِي حُرًّا، بِلا أَيِّ وَازِعِ
،،
فَكُلُّ ارْتِقَاءٍ لِلسَّمَوَاتِ غُرْبَةٌ
وَكُلُّ انْسِجَامٍ فِيَّ مَحْضُ تَنَازُعِ
،،
وَلَا فِتْيَةٌ في الْمَهْدِ أَرْجُو خَلَاصَهُمْ
كذَاكَ احْتِرَاقُ الشَّمْعِ لَيْسَ بِشَافِعِي
،،
أَرى قَاتِلِي في الضَّوْءِ يَلْبَسُ مِعْطَفي
وَيَخْدَعُني بِالْوَرْدِ كُلُّ مُشَايِعِ
،،
فَمَنْ لي بِهَدْيٍ أَسْتَريحُ بِظِلِّهِ؟
أُدَارِي بِثَوْبٍ مِنْهُ جَمْرَ مَوَاجِعِي
،،
وتَحْمِلُني دِفْئًا سَحَابَةُ عَطْفِهِ
إلى وَطَنٍ كَمْ تَشْتَهيهِ مَطَامِعِي!
،،
فَمَنْ غَيْرُهُ طَهَ الْحَبِيبُ يُجِيرُنِي؟
وَيَحْفَظُ فِي غَدْرِ الصُّرُوفِ وَدَائِعِي
،،
وَمَنْ غَيْرُهُ يَرْوي ضِفَافَ جَوَارِحِي؟
وَيَنْشُدُ لِي في النَّارِ رَحْمَةَ وَاسِعِ
،،
لَهُ مِنْ خِصَالِ الْحُسْنِ أَنَّ دُمُوعَهُ
صَلاةٌ، وَفي عَيْنَيْهِ حَقُلُ جَوامِعِ
،،
أرَى فيهِ شَمْسًا مَا تَغَيَّبَ فَجْرُها
وَنهْرًا مِنَ الآمَالِ…عَذْبَ الْمَنَابِعِ
،،
أَرَى فِيهِ سِتْرًا، حِينَ يَغْزِلُ وِتْرَهُ
لِيَكْسُوَ بالآيَاتِ عَوْرَةَ رَاكِعِ!
،،
أرَى غَيْمَةً جَذْلَى تُعِيلُ سَمَاءَهَا
وَتَخْضَرُّ فِيها أُمْنِيَاتُ مُزَارعِ
،،
أَرَى مَنْطِقًا حُلْوًا يَليقُ بِعَصْرِنا
وَعَدْلًا سَمَاويًّا كَريمَ الطَّبَائِعِ
،،
أَلَيْسَ الذي بِالسِّلْمِ حَرَّرَ أُمَّةً؟
وَكَانَ عَنِ الإِنْسَانِ خَيْرَ مُدَافِعِ؟
،،
وَصَاغَ بِفُرْشَاةِ الْحَيَاةِ شَرِيعَةً
عَقِيدَتُها: حُبٌّ لِكُلِّ الشَّرَائِعِ
،،
فَلَا ظُلْمَ، لَا تَسْويفَ، لَا غِلَّ، لَا أذًى
بِذَاكَ أَتَى الِإسْلامُ، لَا بِالْقَوَاطِعِ
،،
وَمَا كَانَ يَوْمًا لِلْجَهَالَةِ دَاعِيًا
وَلَا كَانَ لِلْأَعْرَاقِ سَيْفَ تَصَارُعِ
،،
وَلَوْ نَظَرَتْ عَيْنَاهُ لِلْكُفْرِ شَاخِصًا
لَفَاضَتْ عَلَى خَدَّيْهِ دَمْعَةُ خَاشِعِ
،،
وَبَارَزَهُ بالّلينِ وَهْوَ عَلى هُدًى
كَغُصْنٍ رَقِيقٍ، أَخْضَرِ الرُّوحِ، يَانِعِ
،،
فَيَا رَجُلًا لِلطِّيبِ نَبُضُ فُؤَادِهِ
مَلَكْتَ قُلُوبَ النَّاسِ…مِلْكَ مُبَايَعِ
،،
فَأَنْتَ إِمَامُ الْأَنْبِياءِ وَنَجْمُهُمْ
وَفِكْرُكَ إلْهَامٌ لِكُلِّ الْمَرَاجِعِ
،،
رِسَالَتُكَ السَّمْحَاءُ يَكْتُبُهَا النَّدَى
بِجِبْرٍ مِنَ التَّأْوِيلِ… أَبْيَضَ نَاصِعِ
،،
أَنَا الآنَ فِي رُؤْيَاكَ أَسْبَحُ هَائِمًا
وَحَرْفِي إِلَى مَعْنَاكَ غَيْرُ مُطَاوِعِ
،،
وَمَا زِلْتُ أَرْجُو مِنْ عَطَائِكَ مَا أَرَى
وَلَوْ نِلْتُ مِنْهُ الْبَحْرَ لَسْتُ بِقَانِعِ
،،
فَلِي وَطَنٌ يَشْكُو إِلَيْكَ ضَيَاعَهُ
عَسَاكَ تُنِيرُ الْيَوْمَ…لُجّةَ ضَائِعِ!
،،
فَقَدْ طَمَتِ الْأَهْوَالُ وَاكْتَظَّتِ الرُّؤَى
وَصَارَتْ بِلادِي نَهْبَ كُلِّ مُخَادِعِ
،،
أَتَدْرِي…! قِبَابُ الْقُدْسِ مِنْ أَلْفِ صَيْحَةٍ
تُلَالِي عَلَى أَوْجَاعِها وَالتَّوَابِعِ
،،
وَذاكَ عِرَاقُ النَّزْفِ…صَارَ غَنِيمَةً
تَقَاسَمَهَا الْأَنْذَالُ مِنْ كُلِّ طَامِعِ
،،
وَلَوْ أَبْصَرَ الْوِلْدَانُ حَالَ شَآمِنَا
تَشيبُ نَوَاصِيهِمْ لِتِلْكَ الْفَظَائِعِ!
،،
فَكَيْفَ إِذَنْ لَا أَسْتَقِيلُ مِنَ الْهَوَى؟
وَحَوْلِي ذُرَى الْآلَامِ، وَالْحُزْنُ طَالِعِي!
،،
تَمَلَّكَنِي هَذا الشُّعُورُ بِغُرْبَتِي
وَصُمَّتْ عَنِ الْإِدْرَاكِ كُلُّ مَسَامِعِي
،،
وَضَاقَتْ بِيَ الْأَرْجَاءُ حَتَّى كَرِهْتُنِي
وَيَأْسٌ كَطَعْمِ الْمَوْتِ صَارَ مُوَاقِعِي
،،
هُنَالِكَ خَلْفَ التّيهِ… ضَيَّعْتُ وِجْهَتِي
وَقَدْ عَظُمَتْ فِي الْحَادِثَاتِ وَقَائِعِي!
،،
وَسَقْفٌ مِنَ الْأَعْوَامِ سَيَّجَهُ الْأَسَى
يُكَابِدُ صَمْتي وانْحِسَارَ مَدَامِعِي
،،
ويتْرُكُني للضَّيْمِ…حُلْمًا مُؤَجَّلًا
تُطَارِدُهُ الْأَخْطَارُ في كُلِّ شَارِعِ!
،،
تُلَاحِقُه في الذِّكْرَيَاتِ هَزَائِمٌ
وَيَسْكُنُهُ لَيْلٌ كَئيبُ المَضَاجِعِ
،،
وَلَوْلَا عِنَادُ الْقَلْبِ مَا اهْتَزَّ للشَّذَى
وَلا كَانَ لِلْأَنْسَامِ يَوْمًا تَرَاجُعِي!
،،
وَلَكِنَّ لِي فِي الْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدًا
بِحِكْمَةِ مَعْصُومٍ…وَرُوحِ توَاضُعِ
،،
سيَحْضُنُني بَعْدَ الْفِرَاقِ مَوَاسِمًا
تَجَرَّعَ فِيهَا الْقَلْبُ مُرَّ فَجَائِعِي
،،
عَلَى شُرْفَةِ النَّجْوَى…سَيَغْمُرُنِي الْجَوَى!
وَيَمْنَحُني لِلصَّبْرِ بَعْضَ الذّرَائِعِ
،،
يُعَلِّلُني بِالصَّفْحِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
وَإِنْ عَظُمَتْ بَيْنَ الْعُصَاةِ مَوَاضِعِي
،،
وَيَرْمُقُنِي طَهَ الْأَمِينُ بِنَظْرَةٍ
فَتَدْنُو لَهُ طَوْعَ الْغِنَاءِ مَقَاطِعي
،،
وَيَقْرَؤُنِي للْتَّائِبينَ قَصَيدَةً
عَلَى كُلِّ نَجْمٍ فِي الْمَدَاراتِ سَاطِعِ