زُفَّتْ إلَيْكَ بُحورُ الشِّعْرِ فاغْتَرِفِ

وأَزْجِ فيها سَفينَ الشَّوْقِ واعْتَرِفِ

لا تَكْبَحَنَّ جِماحَ الحَرْفِ، إنَّ بِهِ

شَوْقًا إلى رَشْفةٍ مِنْ كَوْثَرِ الشَّرَفِ

كَمْ فاحَ عِطْرُ قَوافيكَ الحِسانِ على

أعْتابِ مَيٍّ، وكَمْ أبْدَعْتَ مِنْ تُحَفِ

وكَمْ زَفَفْتَ بَناتِ الفِكْرِ في نَغَمٍ

تَخَطَّفَتْها بَناتُ الأيْكِ في شَغَفِ

اَلشِّعْرُ بَحْرُكَ، فاسْتَمْتِعْ بِزُرْقَتِهِ

وارْمِ الشِّباكَ تَنَلْ دُرًّا بِلا صَدَفِ

* * *

ما لي أراكَ وَقَفْتَ اليَوْمَ مُرْتَجِفًا؟!

أيُرْتَجى طَرَبٌ مِنْ نايِ مُرْتَجِفِ؟!

هذي رِياضُكَ قَدْ شَحَّتْ جَدَاوِلُها

وظِلُّ دَوْحَتِها الغَنَّاءِ لَمْ يَرِفِ!

أعْياكَ وَصْفُ حَبيبٍ جِئْتَ تَمْدَحُهُ

كأنَّكَ – الدَّهْرَ – لَمْ تَمْدَحْ ولَمْ تَصِفِ!

كأنَّ أحْرُفَكَ اخْتَلَّتْ مَخارِجُها

فكُبْكِبَتْ كُلُّها في مَخْرَجِ الألِفِ!

تَسْعى إلى هَدَفٍ تَعْيا الجِبالُ بِهِ!

أَعْظِمْ بِمَدْحِ رَسُولِ اللهِ مِنْ هَدَفِ!

* * *

ذاكَ الحَبيبُ الذي زُفَّتْ مَكارِمُهُ

مِنْ قَبْلِ مَوْلِدِهِ في أكْرَمِ الصُّحُفِ

اَللهُ أبْدَعَهُ، بِالحُسْنِ رَصَّعَهُ

مِنْ يَوْمِ أَوْدَعَهُ في أشْرَفِ النُّطَفِ

لَمْ يُشْرِقِ الحَرْفُ مِنْ فَجْرِ القَصِيدِ على

أغَرَّ مِنْ نُزْهةٍ في رَوْضِهِ الأُنُفِ

ولا تَبَسَّمَ ثَغْرُ الدَّهْرِ عَنْ دُرَرٍ

أعَزَّ مِنْ جَوْهَرٍ مِنْ فِيهِ مُلْتَقَفِ

أعْيَتْ مَدائِحُهُ الأقْمارَ مِنْ سَلَفٍ

فكَيْفَ يُدْرِكُها الأغْمارُ مِنْ خَلَفِ؟!

***

أرْجاءُ مَكَّةَ نَشْوَى عامَ مَوْلِدِهِ

تَزْهُو بِطَلْعةِ بَدْرٍ غَيْرِ مُنْخَسِفِ

وتِلْكَ يَعْرُبُ لِلْبَيْتِ العَتيقِ سَعَتْ

ما بَيْنَ مُؤْتَلِفٍ مِنْها ومُخْتَلِفِ

قَدْ كادَ أبْرَهةٌ يَجْتَثُّ كَعْبَتَهُمْ

لَوْلا عِنايةُ رَبِّ البَيتِ ذِي اللُّطُفِ

***

جاءَ اليَتيمُ، وعَيْنُ الحَقِّ تَحْرُسُهُ

مُسْتَنْبِتًا أمَلًا في الأعْيُنِ الذُّرُفِ

جاءَ الذي ذاقَ بُؤْسَ العَيْشِ مُصْطَبِرًا

يَدْعُو لِنُصْرةِ أهْلِ البُؤْسِ والشَّظَفِ

جاءَ الرَّشيدُ، وأهْلُ الرُّشْدِ في سِنَةٍ

والأصْفِياءُ على أوْهَى شَفَا جُرُفِ

«اِقْرَأْ»، تُرَدِّدُها الدُّنْيا مُجَلْجِلةً

تَنْسابُ مِنْ وَطَنٍ بِالجَهْلِ مُلْتَحِفِ

«اِقْرَأْ»، لِتَسْتَرْجِعَ الأوْطانُ بَهْجَتَها

«اِقْرَأْ»، لِتَطْوِيَ عَصْرَ الظُّلْمِ والجَنَفِ

***

لَيْلٌ غَزا فَلَقُ الإصْباحِ فَيْلَقَهُ

فبَسْمةُ الشَّمسِ تَمْحو عَبْسةَ السَّدَفِ

جاءَ البَشيرُ وقَدْ عاجَتْ بِنا سُبُلٌ

يَشُقُّ مِنْهاجَ رُشْدٍ غَيْرَ مُنْحَرِفِ

يَدْعو إلى الحَقِّ بِالحُسْنَى، ويَنْثُرُ في

كُلِّ القٌلوبِ بُذورَ العِزِّ والشَّرَفِ

أدَّى الأمانةَ، واسْتَوْلَى بِحِكْمَتِهِ

على القُلوبِ بِلِينِ القَوْلِ لا العُنُفِ

قَدْ أحْرَزَ المَجْدَ مَنْ يَسْعى لِنُصْرَتِهِ

وباءَ بِالخِزْيِ أهْلُ الكِبْرِ والصَّلَفِ

***

صَلّى الجَليلُ على المُخْتارِ ما اتَّسَقَت

أنْغامُ طَيْرٍ على الأفْنانِ مُعْتَكِفِ

وآلِهِ والصِّحابِ الزُّهْرِ ما ظَمِئَتْ

نَفْسُ التَّقِيِّ إلى الأنْهارِ والغُرَفِ