بزغتَ في مهجتي، شمسًا، هدًى، قمرا

فجئتُ أحملُ منكَ الخِصبَ والمطرا

وأشرقتْ من خطاكَ الأرضُ.. وانفجرت

نهْراً من الضوءِ.. يحدو للظِما نَهَرا

فكيف تكتمُ منكَ الأرضُ بهجَتَها!

وكُلُّها منكَ أضحى مُزهِرًا نضِرا؟!

تمرُّ صِنوَ خلودٍ! كلمّا ارتحلتْ

بكَ الخطى.. صاغَك التاريخُ وادَّكرا

ولا يزالُ على الأعتابِ منطرحًا

يرجو نداكَ.. فيَهمي مُورِقًا خضِرا

***

يا أكرمَ الخلقِ، يا سبطَ الكرامِ، ويا

أزكى وأصدقَ من بالأصلِ قد فَخَرا

علَّمتَ يُتْمَكَ معنى الصبرِ، فارتشفَ الـ

ـمجدَ التليدَ، وجازَ المسلَكَ الوعِرا

فصار كلُّ يتامى الأرضِ أفئدةً

تهوي إليكَ، وتقفو خلفك الأثرا

يا سيّدي.. حولكَ الأكوانُ أسئلةٌ

ودهشةٌ لم تزل تستلهمُ الصُورا..

***

ذكراكَ تعبُر بي في قَيظِ مكةَ.. إذ

تمشي على الرملِ ترعى البَهْمَ مُصطَبِرا

عفَّ الفؤادِ.. عزيزًا.. شامخًا.. جبلًا

يسمو، ويحتقرُ الأهوالَ والخطَرا

ويستريحُ لفيءٍ عابرٍ، فيرى الـ

ـدنيا، وما ملكَ الفانونَ مُحتَقَرا

***

ذكراكَ تعبُر بي للغارِ.. أُبصرهُ

يضمُّ في صدركَ الآياتِ والسُوَرا

وقد تنزَّلَ روحُ القدسِ من قُدُسٍ

عليكَ يا سيدي.. يوحي بما أُمِرا

حُمِّلْتَ مُصطَبِرًا ما لو تحمَّله

طَودٌ لخرَّ من الأهوالِ وانفطرا

مضيتَ تصدحُ بالحقِّ المبينِ فلم

تجزعْ.. وإن لجَّ في التكذيبِ من كفرا

وأنت ترسمُ مسرى الأنبياء لهم

ومِن عُرُوجكَ تَهمي روحُك العِبَرا

***

كان المَرامُ بعيدًا.. والمدى رصَدًا

وناعبُ الشرِّ في الآفاقِ مُستَتِرا

وأنت تقطعُ و«الصدِّيقَ» دربَ هدىً

فما كبا بك هذا الدربُ، أو عثَرا

***

ذكراكَ تعبر بي «بدرًا».. وقد نزلَتْ

ملائكٌ تشهدُ الحقَّ الذي انتصرا

وثَمَّ في «أُحُدٍ».. إذ ليس من أحدٍ

إلاّكَ أعلى لواءَ العزمِ واصطبرا

وإنْ تحزَّبتِ الأحزابُ، حسبُك أن

تشقَّ صمتَ الدجى لله منكسرا

فما تنفَّس صدرُ الصبحِ منشرحًا

حتى تبعثرَ جيشُ الكفرِ واندحرا..

***

ذكراكَ تعبر بي حزنَ الوجودِ، وقد

قيلَ ارتقى أحمدٌ للهِ.. دونَ مِرا

حتى إذا حارتِ الألبابُ وانقطَعَت

أسىً عليكَ وكان الأمرُ قد أَمِرا

أطلَّ من سُجُفِ الأحزانِ مُصطبرًا

وقال: هل كان إلاّ مُرسَلًا بشرا؟!

***

محمدٌ.. جئتُ من أقصى الوجودِ وقد

وافى حياضَك قبلي معشرُ الشُعَرا

معي قصيدةُ مشتاقٍ إليك سعَتْ

وئيدةَ الخطوِ لم تبلغْ بيَ الوطرا

وحسبُها سيِّدي أني عرَجتُ بها

إلى بهائكَ أرجو وجهَكَ النضِرا

ملأتُ عينيَ من عينيكَ فيضَ هوًى

يا كُلَّ من غاب عن عيني، ومن حضرا