سَافَرْتُ فِي اسْمِكَ طِفْلًا أخْضَرَ التَّعَبِ

فَمُرْ رِيَاحَكَ أنْ تَحْنُو عَلَى سُحُبِي

خُذْني لأمْطِرَ فَوْقَ الشَّوْكِ مَغْفِرَةً

حَتَّى يَصِيرَ أَخًا لِلْوَرْدِ وَالْعُشُبِ

خُذْنِي إِلَى حِكْمَةِ الصَّحْراءِ أقْرَؤُهَا

فَإِنَّ فِي رَمْلِهَا مَا لَيْسَ فِي الكُتُبِ

خُذْنِي إِلَى النَّخْلِ شَيْخًا مَدَّ هَامَتَهُ

نَحْوَ السَّماءِ، وَأَرْخَى سُبْحَةَ الرُّطَبِ

خُذْنِي إِلَى الغَارِ، وَاشْرَحْ لِي عَلَى مَهَلٍ

مَاذَا رَأَيْتَ وَرَاءَ الغَيْبِ وَالحُجُبِ؟

خُذْنِي فَمَا أنَا إلا شَاعِرٌ كَلِفٌ

يَقُودُهُ خَطْوُهُ الأَعْمَى، وَأَنْتَ نَبِي

أَنَا أُفَصِّلُ فِي بَرْدِ الشِّتَاءِ رُؤًى

وَأَنْتَ فِيهِ تَبُثُّ النَّارَ فِي الحَطَبِ

 مَائِي سَرَابٌ جَرَى فِي نَهْرِ أخْيِلَتِي

فَكَيْفَ أرْوِي فَمًا مِنْ مَائِيَ الكَذِبِ

يَا سيّدَ المَاءِ، أجْرِ المَاءَ فِي لُغَتِي

«وَاقْرَأ» لِيَكْبُرَ نَهْرٌ فِيَّ بَعْدُ صَبِي 

«اِقْرَأْ» لِتَنْمُوَ أشْجَارٌ عَلَى شَفَتي

وَيَسْتَظِلَّ بِصَوْتِي كُلُّ مُغْتَرِبِ

أنَا صَدَاكَ، فهَلْ تَدْري القصيدةُ مَا

بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي القُرْآنِ مِنْ نَسَبِ؟

يَا مَنْ تَأَمَّلْتَ فِي الأشْيَاءِ، مُنْشَغِلًا

بِهَا، وَغِبْتَ عَنِ الدُّنْيَا وَلَمْ تَغِبِ

عَلَّمْتَنِي أَنَّ سِرَّ الْكَوْنِ فِي جَسَدِي

وأنَّ فِي القَلْبِ مَا فِي الشَّمْسِ مِنْ  لَهَبِ

وَأَنْ أسَــــافِرَ فــــِي ذَاتِي، لِأفْهَمَها

قَبْلَ الرَّحيلِ إلَى الأفْلاكِ والشُّهُبِ

قَرَّبْتَ كُلَّ بَعِيدٍ غَابَ عَنْ نَظَرِي

حَتَّى رأيْتُ جَلَالَ اللهِ مِنْ كثبِ

الآنَ أخْتَارُ غَارِي فِي الْقَصِيدَةِ، كيْ

أَفِرَّ نَحْوَكَ يَا مَوْلايَ منْ صَخَبي

حَلَّتْ مَعَانِيكَ فِي رُوحِي مُبَارَكَةً

كَمَا تَحُلُّ مَعَانِي النَّايِ فِي القَصَبِ

غَنَّيْتُ باسْمِكَ. كَانَ الوقْتُ قُبَّرَةً

يُجيرُ في عُشِّهِ مَا مَرَّ منْ حِقَبِ

وَكنتَ أنتَ رَسُولَ اللهِ تُسْعِفُهَا

مِنْ كلِّ جُرْحٍ قديمٍ بَعْدُ لَمْ يطِبِ

مِنَ الحُرُوبِ، وَمِنْ رايَاتِهَا رَقَصَتْ

بَيْنَ الجَثَامِينِ فِي رِيحٍ مِنَ الغَضَبِ

لَوْلاكَ يَا أيُّهَا البَدْرُ الذي كَنَسَتْ

أنْــوارُهُ ظُلُمَاتِ العَالَمِ الخَـــرِبِ

لَمَا «تَبَسْمَلَ» فــــِي الدُّنْيَا جبَابِرَةٌ

وَلَا أظلَّتْ سَمَــــاءٌ أمَّةَ العَـــرَبِ

* * *

أتَيْتَ بالحبِّ، فانْظُرْ كَيفَ قَرْيَتُنَا

تَوَضَّأتْ بِضِيَاءٍ مِنْكَ مُنْسَكِبِ

تَغْفُو عَلَى سُورَة الإخْلاصِ، تَحْمِلُهُا

فِي سُلَّمِ اللَّيْلِ بَيْنَ الشَّجْوِ والطَّرَبِ

أرَاكَ فِــــي وَجْهِ فَلَّاحينَ ألْسُنُهُمْ

تَمْحُو بِذِكْرِكَ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ نصَبِ

أراكَ فِي صَوْتِ شَيْخِ الْمَسْجِدِ الْتَهَبَتْ

أنفَاسُهُ وَهْوَ يَحْكِي عَنْكَ في الخُطَبِ

فِي كِسْرَةِ الخُبْزِ يُلْقِيهَا الْفَقِيرُ، إِلَى

شَدْوِ الطُّيُورِ وَيَدْعُوهَا أَنِ اقْتَرِبِي

أرَاكَ فِي ضِحْكَةِ المِصْبَاحِ تَحْرُسُني

 وَفي وَداعةِ ماءٍ نَامَ فِي الْقِرَب

وَفِي بَسَاطَةِ مَعْنَى الحُبِّ حِينَ أَرَى

أمِّي تُصَلِّي صَلَاةَ الفَجْرِ خَلْفَ أَبِي

إنّي أحبُّكَ، أسْبَابُ الهَوَى كثُرَتْ

عَلَيَّ فَاخْتَرْتُ أنْ أهْوَى بلا سَبَبِ