مِنْ مِعْــطَفِ الليلِ فَــجْرٌ صادقٌ مَرَّا

أَثَـــارَ جَمْـــرَ القَــوَافـي، أَيْقَـظَ الذِّكْرى

دَنَـــا وَغَيْـــمَةُ شَوْقٍ فــــي مَلَامِحِهِ

وَنَفْحَةٌ عِــــطْرُهَا لا يُـشْــــــبِهُ العِطْرا

لا أَدَّعـي أَنَّني قَـــايَضْــــتُها بِـــدَمي

لكنَّها نَسَــــجَتْ مِن لَهْــفَتي بَـــــحْرا

وَلَمْ تَزَلْ نَخْـــلَةُ المَعْـــــــنَى تُظَلِّـلُني

تَحْنو فَأَقطفُ مِنْ أَعْـــذاقِها سِـــــحْرا

يا سَيِّدي، إنَّ بَعْــــضَ الشَّوقِ مَـقْـتَلَةٌ

للعَاشِـــقِينَ، إذا ما أَوقَـــدوا العُـمْــرا

مُحَمَّدٌ لَمْــسَةُ الضَّـــوْءِ التي هَزَمَتْ

جَيْشَ الظَّـلامِ، فكـانتْ للـــدُّنى فَجْرا

هُوَ الذي حَــرَّرَ الأَجْــــيالَ مَقْــــدمُهُ

لكِنَّـنا لَمْ نَـــزَلْ في حُـــــــبِّهِ أَسْرَى!

في صَدْرِهِ مِنْ بِحَارِ العَطْفِ مَا عَجَزَتْ

عَنْها الجِهَـاتُ، وَلَمْ تُرْهِقْ لَهُ صَـدْرا

يَمِيْـــــــنُهُ نخلةٌ، حُــــــبٌّ مواسـمُها

وَسَيْــــفُهُ نَاصِـعٌ لا يَعْــرفُ الغَدْرَا

لِلصَّبْرِ في قَلْبِهِ كَـــوْنٌ عَلَــى سِــعَةٍ

طُوْبَى لصـــبرِ نبـيٍّ أَلْــهَمَ الصَّبْرَا

هُوَ الــيَتِـــيمُ الــذي رَبَّى ضَمَــائرَنَا

عَلَى النَّقَاءِ وَلَمْ يَسْـــــأَلْ لَهُ أَجْـــرَا

يَا يَوْمَ مَـــوْلِدِهِ، والشَّـمـــــسُ حَائِرَةٌ

فَكَيفَ يَطْوي ضِيَـاها شَمْسَهُ الكُبْرَى؟!

وَكَيْفَ يجـــدبُ حقلٌ فـــــي مَوَاسِمِهِ

وكانَ يَـــزرعُ في أَرجــــائِــهِ فِكْرَا؟!

سُبْحَانَ مَــنْ صَـــــانَهُ مِنْ كُلِّ مَثلبَةٍ

وَزَادَهُ مِنْ يَقِيــــــنٍ رَاسِــــــــخٍ قَدْرَا

أَسْـــرَى بهِ وَعيـــونُ القُدْسِ شَاهِدَةٌ

على عُلَاه، فَسُبـــــحانَ الـذي أَسْرَى

جَابَ السَّماءَ، تَشقُّ الغــــــيمَ رِحْلَتُهُ

وَقَـلْـــبُهُ بِمَــــــدَى أَشْــــــوَاقِهِ أَدْرَى

مُحَمَّدٌ بَسْـــمَةُ المَحْـــــزونِ، بَلْسَمُهُ

وَسَلْسَــــبِيــلُ عَطَــــاءٍ يوقظُ الشِّعْرا

مُحَمَّدٌ ثَوْرَةٌ لِلــــحُبِّ مَا بَــــــرحَتْ

تُجْرِي بِكُــــلِّ فُــــؤادٍ صَــادقٍ نَهْرا

مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ البَــاري التي غَمَرَتْ

مَدينَةً فَخْــرُها أَنْ تَحْــضـــنَ البَدْرا

مُحَمَّدٌ، يا نَبِـــيَّ العَـــــدْلِ، يا وَطَـنًا

مِنَ اليَنَـــــابِيع لَمْ نُـــــــدْرِكْ لَــهُ سِرَّا

آليتَ تُـــرْجِعُ لِلإنســــــــانِ جَوْهَرَهُ

فَصَــارَ عَزْمُـكَ نَحْوَ المُرْتَقَى جِسْرَا

يَدٌ تُكَـــــسِّرُ أَوْثَــــــــــانًا وَأَزْمـــنَةً

مِنَ الرَّمَادِ، وَأُخْـــرَى تَقْـــتلُ الفَقْرَا

وَكُنْـــتَ فيهمْ «سِرَاجًا يُسْتَضَاءُ بِهِ»

إذا أَطَـلَّ ظـــلامُ البؤسِ وَاسْـتَشْرى

مَنَحْتَهُمْ مِنْ ثِـــــمَارِ المَجْـدِ أَروعَهَا

وَكَانَ مكْــثُكَ فيـــــهمْ جَنَّــةً أُخْرَى

وَصَارَ حَرْفي شَــغوفًا، كُلَّـما هَطَلَتْ

ضَوْءًا رُؤاهُ، تَــــمَادَى ينظـمُ الدُّرَّا

يَــسْعى إليكَ وفـــي كَـفَّـيهِ ســنبلةٌ

تَكادُ مِنْ شوقِها أَنْ تَسـبقَ المَسْرَى!

وَعَادَ يَطْـوي المَدَى مِنْ بَعْدِ رِحْلتهِ

في مَوْكبِ العِشْقِ، لكنْ عَـادَ مُخْضَرَّا

يا سَيِّدي، مُفْــرَدَاتُ الشِّعرِ عاجِــزةٌ

أَمَامَ ضَــوْئِكَ، فَامْــنَحْ أَحْرُفي فَخْرَا

فلِي فُؤادٌ دُمُـــوعُ الشَّوْقِ تَفْضَـــحُهُ

إلى ثَـرَى طيبةٍ مِـــنْ أَضْلُعي فَـرَّا

وَلَسْــتُ أطلبُ مَدْحًا جَلَّ عَنْ طَلَبي

إنّي أُترجمُ قلـــــبًا يطــــلبُ العُذْرَا