أَهَذِي دموعٌ أم أُرِيقَتْ عُيُونُهَا

أم انْشَقَّ في الناياتِ نِصْفَيْنِ نُونُهَا؟!

لقد كنتُ فيما يَذكُرُ الحبُّ صابرًا

أقولُ لقلبي: لليالي شؤونُهَا

إذا صَدَّقَتْنِي غيمةٌ ما بَكَيْتُهَا

وهل روحِيَ الصحراءُ إلا شجونها!

أُسَمِّيكَ يا قلبي تَطَلُّعَ نخلةٍ

إلى جِذعِهَا المُلْقَى وأنتَ أنِينُهَا

أُسَمِّيكِ يا عَيْنَيَّ خوفَ حمامةٍ

على الغارِ خيطُ العنكبوتِ حُصُونُهَا

وأخرجُ من ليلِ الحضاراتِ شاردًا

أكادُ إذا لاحتْ حصاةٌ أكونُهَا

وخلفي بلادٌ قد تهاوت سماؤها

وما ثَمَّ في الأطلالِ إلا سجونُهَا

وخلفي صراخٌ تَفْتِلُ الريحُ حَبْلَهُ

وحربٌ على الدنيا يجنُّ جنونُهَا

أرى الأرضَ أُمَّ الأبجدياتِ تنحني

ويُذبحُ في غيبِ الكلامِ جَنِينُهَا

وباسمِ ضحاياها أجيئكَ حاشدًا

خطىً في صدى الموالِ يرعى رَنِينُهَا

محمدُ يا بابًا على الفجرِ مشرعًا

ويا لحظةً خضراءَ شَفَّ مَعِينُهَا

تداعى بيَ الشوقُ القديمُ وهَزَّنِي

وأَفْلَتَ من خيلِ الخيالِ حَرُونُهَا

وهاجت بيَ الذكرى فأرسلتُ خاطري

وحَنَّ لكاساتِ الصبابةِ حينُهَا

على موقدٍ في البيتِ ألقيتُ وجهتي

وقلتُ بروحي سوفَ يسعى حنينها

إلى موعدٍ أقصاهُ أن تُسفَكَ الخطى

وأن ينكرَ الأجسادَ في الشوقِ طينُهَا

إلى حيثُ ذكراكَ التفاتةُ جَدْوَلٍ

إلى الرملِ والصحراءُ تعوي بطونها

لقد حَلَّفَتْنِي بالندى كلُّ وردة

فكيف إذا سالَ الحنينُ أخونها!

وقفتُ أمامَ النورِ وجهًا لمطلقٍ

وكانت ذُرَىً في البالِ يندى جبينها

وما في فمي إلا نشيدٌ مُعَلَّقٌ

وبئرٌ على الأحجارِ نامت جفونها

إليكَ رسولَ اللهِ تمتدُّ صرختي

وجوعِي جماعاتٌ إليكَ صُحُونُهَا

يَدِي في يدِ الإنسانِ نعبرُ برزخًا

من الموتِ والأرضُ استدارَ سفينها

نناديكَ والموجُ استبدَّ ولا مَدىً

يلوحُ وفي الأشياءِ خارت ظنونها

لأنَّ يديكَ الضفتان، وشمسُنا

توارت وراءَ الغيمِ سكرى عيونُهَا

لأنكَ ميقاتُ الصباحاتِ كلِّهَا

وآمالنا البيضاءُ أنتَ يقينُهَا

ولا وجهةٌ إلاكَ في عاصفِ العمى

ولا غايةٌ إلا وأنتَ ضَمِينُهَا

فمدَّ لنا في فسحةِ الوقتِ لحظةً

تذوبُ بها الأرواحُ والحبُّ دينُهَا

نكونُ افترشنا آخرَ الظلِّ في الرؤى

ونامَ على الأرضِ امتثالًا سكونها

يقولُ لنا الحادي: تَدَلَّتْ سحابةٌ

وخُطَّتْ على رَمْلِ القلوبِ مُتُونُهَا

هدوءًا فإنَّ النهرَ يغسلُ حُزْنَهُ

وتنهضُ أشجارٌ وتعلو غصونها

وأنتَ سماءٌ في صدى الحلمِ رَحْبَةٌ

ومَمْدُودَةٌ صوبَ الجميعِ يمينُهَا