أوحى لي النايُ.. ماذا قالَ؟ قالَ: كفى

لعلَّ في آخرِ الدهليزِ قد وقفا

سألتُ: ثمةَ ضوءٌ؟ قالَ: بلْ وجدتْ

شمسُ البِشاراتِ في جفنيهِ مُلْتَحفا

فـرُحتُ أطلبُهُ ظلًّا وأمنيةً

مضيئةً وغمامًا يُمطِرُ الشَغفا

وظلَّ يُمطِرُ أورادًا مزخرفةً

ثم انحنى للسماءِ البكرِ واقتطفا

أعدو وكان بعيدًا.. كان لي حُلُمٌ

أن لا يراني، لذا خُبئِتُ وانكشفا

تَكشفتْ في خيالِ الطينِ نظرتُهُ

فـ (لاحَ) من شرفةِ التاريخِ مُختلفا

وكانَ في بالِهِ ظلٌّ ومذ ولدتْ

أسماؤهُ صارَ للزهادِ مُعْتَكَفا

للهِ (آمنةٌ) قد أنجبتْ ولدًا

يمتدُ نهرًا من الأحلامِ للضُعفا

وصوتُها في مهبِ الظلِّ ملتَمِعٌ

تقولُ: جاءَ مهيبًا يزرعُ الشَرفا

كانتْ (حليمةُ) تعطيهِ الفصولَ ولا

تَراهُ إلا يقينًا للندى ازدلفا

وأرضعتْهُ نهارًا، بعدها نزلتْ

كفُّ السماءِ، لتحوي فيه ما ارتجفا

ويكبرُ الضوءُ، من ياقوتِ لهفتِهِ

تلقي السماءُ على (لاماتِهِ).. (ألِفا)

قلبًا فقلبًا يمدُّ النبضَ ساقيةً

لأُمةٍ لم تجدْ في يمِّهِا الصَدفا

في صدرِهِ الوترُ الأعلى وصومعةٌ

لكلِّ من تاهَ في المعنى وما عَزفا

تكتظُ ظلًّا له الأشجارُ تعرِفُهُ

مدائنٌ قطفتْ من مقلتيهِ وفا

حِرَاؤهُ لم يكنْ غارًا، بلْ اجتمعتْ

فيه السماواتُ حتى كورتْ خَزفا

يمشي على الأرضِ طيفًا شاسعًا وبهِ

ظلٌ وسيمٌ إلى آثارِهِ هَتفا

مزملاً بدثارِ الريحِ تسمعُهُ

(خديجةٌ)، وترى في قلبِهِ الـغُرفا

يأتي إليه (أبو بكرٍ) يُصدِّقُهُ

نهرًا ويرسمُ للغرقى به الجُرُفا

يأتي إليه (عليٌّ) كانَ مرتفعًا

على السنين ومن عينيهِ كم غَرفا!

كانوا ثلاثةَ أصداءٍ وكانَ لهمْ

صوتًا يؤدي إلى المعنى الذي عَصفا

أُفْقٌ تواضعَ في دنياه، قد عشقتْ

ظلالَهُ الشمسُ وانداحتْ له لهفا

وبين عينيه ليلُ العاشقين ولا

ترى القبائلُ إلا فيهِ مُرتشفا

مسافرًا في شرايينِ العلوِ وفي

يديهِ حطَّ ملاكٌ ساهرٌ وغَفا

فعادَ يحملُ من مرقاه لي قمرًا

ومنذُ أنْ شدَّهُ في الروحِ ما خُسفا

لهُ تلاوةُ قرآنٍ.. لهُ زمنٌ

من معجزاتٍ.. لهُ في الأرضِ ما نَزفا

يعطي الحياةَ نهارًا عاشقًا وغدًا

يخطُّ للطرقِ الموؤودةِ الأسفا

يخطُّ للأرضِ ميقاتًا وأسئلةً

تجري وتجري ولم تَعرِفْ لهُ طَرفا

ما زلتُ في النايِ، أحبو في الغيابِ لهُ

وإنْ تباعدَ عني البوحُ أو أَزِفا

(محمدٌ) رحمةُ الإنسانِ معجزةُ الـ

حياةِ قد وَحَّدَتْ في سفْرِها الصُحُفَا