من روّضَ الشّعرَ حتى صارَ مُتّسِقا

فسلّمَ القولَ: سبحانَ الذي خَلَقا…؟!

من أمسكَ البحرَ حيثُ الناسُ قد جمعوا

وفرّقَ الماءَ عن جنبيْهِ فانفلقا؟

بعضُ البداياتِ كالأسحارِ مقلقةٌ

كأوّلِ الغيثِ، كالإحساس إن صدقا!

أمّا التفاصيلُ لو أرختْ مقاعدَها

مثل الشهابِ: يصدُّ السمعَ ما استُرِقا..!

لا يُخطفُ الوحيُ، هذا اللّحنُ تعزفُهُ

أيدٍ تخبّئُ في أكمامِها طُرُقا..

أيدٍ تشدُّ على جرحٍ سواعدُها

تُزجي دماءً وإلّا أمطَرَتْ عَرَقا..

وتنحتُ الصّخرَ عند الغارِ بسملةً

تقول «اقرأ» فتتلو فوقها «العلَقا»

تقولُ للنّاسِ إنّ الدربَ شائكةٌ

فامضوا خفافًا ولا تلوي لهم عُنُقا.

قلبي كموسى يريدُ الخضرَ في شغفٍ

لكنّ عقلي يرى في الأمرِ مُفترقا

لا يستطيعان صبرًا!  كلّما عزما،

أرْدى الغلام، أقام السورَ، أو خرَقا…

ولستُ مريمَ كي ألقى بمعجزةٍ

شيوخَ قومي وأُنْبيهم بما اختُلِقا..

فلو هززتُ بجذعِ الفكرةِ امتنعَت،

ولو أشرتُ إلى شِعري لما نطقا..

يرتدُّ طرفي ولا يأتي… وذائقتي

كعرشِ بلقيسَ دومًا تسبقُ الحدَقا!

ولي حديثٌ طويلُ العهدِ أحبسُهُ

مذْ كان رتقًا بهذا القلبِ وانفتقا..

هذا محمّدُ؛ في عينيه متَّسَعٌ

من السّماءِ وصدرُ العالمِ اختنقا..

يمشي على الماءِ لم يبتلَّ أنملةً

ويعبرُ الجمرَ تكرارًا وما احترقا..!

لهُ العيونُ تدلّت في مواسمِها

مثل العناقيدِ، مثل القلبِ إن خفقا،

وجنّةٍ من نخيلٍ ظلُّها ورِفٌ

أتيتُ أخطفُ من أفيائِها ورَقا..

فليتَ شعري فصيلٌ إثرَ ناقتِه

متى تهادت يداري خطوَها قَلِقا…

هل كان ينجي من الإخفاقِ إن سبَقَت،

سوى اقتفائي جنونَ الشّعرِ إن سبقا؟!

يا صاحبَ القبّةِ الخضراءِ أسمح من

أقام حكمًا لأهلِ الأرضِ واعتنقا..

أنت المبشّرُ بين النّاسِ شاهدُهم

أنت النّذيرُ، أشدُّ العالمين تُقى

أحتاج وجهَ رسول الله  بوصلةً

ليشرقَ القلبُ حُبًّا صادقًا ألِقا..

وهذه الرّوحُ مثل الغيمِ مُثقلةٌ

إن ينفخِ الشّوقُ فيها أخرجَت ودَقا….

وللعزيزِ على أبناءِ طينتهِ

عينٌ تضيءُ لهم في ليلِهم غسَقا.

كم مسَّنا الضّرُّ…  كم بارت تجارتُنا..

وصاحبُ العملةِ المزجاةِ كم سرقا..!

كم قلّب الجفنَ؛ لا رؤيًا تضيءُ فكيفَ-

يجمع الجفنُ فيك النومَ والأرقا؟!

محمّدُ الحبّ؛ هذا القلبُ قد تركَ-    

الأوثانَ فكَّ قيودَ الوهمِ وانعتقا

تجاوز الدربَ؛ ملّ السّربَ فانفرجت

منه الأساريرُ حتى طارَ وانطلقا..!

ستورثُ الحبَّ أجيالًا ولو كرهوا

ويكتبُ اللهُ طوبى للذي عشِقا..!