مِن جانبِ التِّيهِ مَرُّوا والدُّجَى سَكِـرَا

فهِمْتُ فيهِ، ولكِنْ لم أجِدْ أثَـرَا

كأنَّهمْ منذُ «بانَتْ» جاءَهُم خبَـرٌ

سَرَوْا خِفافًا، ولمَّا يُرسِلوا خبَـرَا

رأيتُ ظبْيًا علَى قاعِ المنَى، وَلِهًا

مدَدْتُ كفَّيَّ إلا أنَّـهُ نفَـرَا

أكُـلَّما لمعَتْ في الأفْقِ بارقَةٌ

ارتدَّ حَرفِي حسِيرَ الطَّرفِ، مُنكسِرَا؟

أفتِّشُ الليلَ عَن رؤيايَ مُبتهِلا

معِي حنِيني، معِي الدمعُ الذي انتَثَـرَا

يا أيُّها العابرُ الوضَّاءُ مَكرُمةً

بعضًا مِنَ النورِ ؛ عنِّي النورُ قد حُسِرا

صوتٌ مِنَ الغيْبِ نادَى كلَّ جارحةٍ:

«(لو شفَّكَ الوجدُ) كنتَ الآنَ مَن عبَـرا»

النورُ، مَا النورُ؟ شيٌء فِي سرائِرِنا

وبينَ جنبيْكَ كانَ ـ العمرَ ـ مُنتظِـرَا

مدارجُ العشقِ للأرواحِ مُشرَعةٌ،

والعابرونَ إلَى أرواحِهِم شُعَـرَا

هناكَ لا «أيْنَ» والمِيقاتُ مَحْضُ رُؤًى

إذِ المُحالُ اسْتوَى، والمُمكنْ انْكَـسَرا

اللهُ؛ وانْكشَفتْ فِي رعشَتِي حُجُبٌ

آنستُهُ شرقَ رُوحِي يقرَأُ «السُّوَرا»

لمَّا تراءَى اخْتَفَى بِي فِي مشاهدِهِ

فنِيتُ إلِّا حنِـينًا في الغُيوبِ سرَى

هتفتُ: يا سيِّدي،  فانْسابَ في لغتِي

سربُ الخيالِ الذي قدْ حَـجَّ واعْتَـمَرا

وحَطَّ فوقَ غصونٍ مِن تلهُّـفِـهِ

لوَجهِ طفلٍ رأهُ الغيْمُ، فَانْهمَـرا

إذِ اليتيمُ يداهُ الغيثُ في صغَـرٍ،

فكيفَ هُم أنكَـرُوها عِندَما كبِرَا!؟

طفـــلٌ مضِـــىءٌ بآلامٍ، وأســئلةٍ

يرنُو كأنَّ المدَى مِن عيْنِهِ نظَـرَا

خيالُـهُ الفَـذُّ نورُ اللهِ أرشدَهُ،

فأدركَ القلبُ مَا عَن غيرِهِ اسْتَـتَرَا

تمضِي السُّنونُ، وشوقٌ ما يكابِدُهُ

يأوِي إلَى الغارِ . للأمرِ الذِي قُـدِرَا

يا أرضَ مكَّةَ، هلْ أحْسَسْتِ رجفتَهُ

إذ أشرقَ الكونُ نورًا، والأمينُ قَـرَا؟

كَـمْ مُـعجزاتٍ، وقد ضلَّتْ بصائرُهُم

تروِي الجبالُ بأنَّ البدرَ قَد شُطِـرَا

دَعَا لهُم لا عليْهِـم حِكمةً وهُدًى

قد يبلغُ النورُ يومًا صُلبَ مَن كفَـرَا

وعادَ، والعفوُ داوَى زيغَ أفئِدةٍ

وذِروةُ العفوِ إمَّا كنتَ مُقْـتدِرَا

سيكتُبُ الحبُّ دهْرًا عَن نوارسِهِ

وينفَدُ البحرُ مَهْما جَدَّ، واخْتَـصَرا

عَن عابِرٍ مرَّ مِثلَ الحُلمِ فِي دمِنا

وخلَّفَ الحبَّ والعِطرَ الذِي انْتشَرَا

وعَن نبِيٍّ، يُنيل الجوعُ لقمتَـهُ

فَمَ المَساكينِ والأيتامِ والفُقَـرَا

ستَقتفِيهِ قلوبُ العارِفينَ هدًى

في رحلةِ الكَشفِ حيثُ اسْتَـعذَبُـوا السَّـفَرَا

يا قِبلةَ الرُّوحِ، يا مَعنًى أراوِدُهُ

عنِ الجمالِ، تناهَى فِكرةً . صُوَرا

حَلَـلْتَ في خاطرِي، والشَّــوقُ أوَّلنِي

شِعرًا، فَذُبْنا مَعًا فِي حبِّ مَن خطَرَا

مَازِلتُ أُغمِضُ عيْنِي، لا أبارِحُهُ

ولحظةٌ فِي مدَاها أنزِفُ العمُـرَا

والعابِرونَ اسْتَدارُوا فِي محبَّـتِهِ

صَلُّوا عليهِ، ومَرُّوا مِن دَمِي زُمَرَا